تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

-وقال -رحمه الله-أيضا: "ولا مخالفة بينه وبين حديث عائشة أن أهل الجاهلية كانوا يصومونه كما تقدم إذ لا مانع من توارد الفريقين على صيامه مع اختلاف السبب في ذلك قال القرطبي لعل قريشا كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم، وصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون بحكم الموافقة لهم كما في الحج أو أذن الله له في صيامه على أنه فعل خير".

مسألـ (6) ـة: المراد بيوم عاشوراء الذي يشرع صيامه:

هذه المسألة متعلقة بمبحث الحقائق عند الأصوليين، وهو مبحث مهم جدا،لا تقل أهميته عن مبحث الأمر والنهي اللذين عليهما مدار التكليف، إذ لا يمكن امتثال الأمر إيجابا وندبا، والنهي تحريما وكراهة إلا بعد العلم بحقيقة المأمور به والمنهي عنه.

- إذا تقرر ذلك فمن المهم معرفة حقيقة هذا اليوم الذي يشرع صيامه.

فأقول: اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- في ذلك على قولين:

* القول الأول: أن عاشوراء: هو اليوم العاشر من شهر المحرم، و بهذا قال الجمهور [انظر المجموع للنووي- رحمه الله - (6/ 383)].

- واستدلوا على ذلك بحديث ابن عباس رضي الله عنهما عند مسلم في الصحيح، وفيه أنه قال: (حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع» قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ووجه الاستدلال بالحديث: أن قوله: صام رسول الله يوم عاشوراء، مع قوله: في المقبل صمنا التاسع صريح في أن اليوم الذي كان يصومه على أنه عاشوراء ليس هو اليوم التاسع، فتعين العاشر لأن الخلاف دائر بين هذين اليومين؛ فهذا دليل مركب من الخبر والإجماع الضمني الظني.

- واستدلوا على ذلك أيضا بالتسمية والاشتقاق، وهو دليل قوي، قال أبو العباس القرطبي-رحمه الله - في المفهم (3/ 190): "وزنه: فاعولاء، والهمزة فيه للتأنيث، وهو معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم، وهو في الأصل: صفة لليلة العاشرة؛ لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العقد الأول، واليوم مضاف إليها، فإذا قلت: يوم عاشوراء، فكأنك قلت: يوم الليلة العاشرة، إلا أنهم لما عدلوا به عن الصفة غلبت عليه الاسمية، فاستغنوا عن الموصوف، فحذفوا الليلة، وعلى هذا: فيوم عاشوراء هو العاشر؛ قاله الخليل وغيره".

- واستدلوا على ذلك أيضا بحديث ابن عباس-رضي الله عنه-عند الترمذي قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم عاشر)، وهو صريح من جهة الدلالة إلا أن ليس بصحيح، ففي إسناده انقطاع بين الحسن وابن عباس-رضي الله عنه-، الحسن لم يسمع منه، والقاعدة في الأصول: [أن الحديث المنقطع ليس بحجة في إثبات الأحكام الشرعية].

- واستدلوا على ذلك أيضا بما جاء عن ابن عباس-رضي الله عنه-أنه قال: (يوم عاشوراء العاشر)، أخرجه عبد الرزاق في المصنف، وهذا صريح من جهة الدلالة إلا أن في إسناده مسعود بن فلان لا يدرى من هو، ويحتمل أن لفظة فلان من باب الإبهام, والله تعالى أعلم.

* القول الثاني: أن عاشوراء: هو اليوم التاسع من شهر المحرم، حكي عن ابن عباس-رضي الله عنه-، وادعى النووي أنه صريح قوله، قال -رحمه الله- في شرح صحيح مسلم: "هذا تصريح من ابن عباس بأن مذهبه أن عاشوراء هو اليوم التاسع من المحرم".

وبه قال الضحاك بن مزاحم الهلالي أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف.

وحكاه الباجي في المنتقى والقرطبي في المفهم عن الشافعي-رحمه الله-.

وبه قال الإمام أبو محمد ابن حزم-رحمه الله- في المحلى حيث جاء فيه"وَنَسْتَحِبُّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ: وَهُوَ التَّاسِعُ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَإِنْ صَامَ الْعَاشِرَ بَعْدَهُ فَحَسَنٌ"، واستدل ابن حزم على ذلك بما أخرج مسلم في صحيحه عن الحكم بن الأعرج، قال:انتهيت إلى ابن عباس رضي الله عنهما، وهو متوسد رداءه في زمزم، فقلت له: أخبرني عن صوم عاشوراء، فقال: (إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، وأصبح يوم التاسع صائما)، قلت: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه قال: (نعم).

وتقرير استدلالهم بهذا الحديث: أن ظاهره مشروعية صيام التاسع من محرم على أنه عاشوراء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه هكذا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير