قلت: لا نسلم أَن الضمير فيما أَوردته، معرفة بل هو نكرة؛ وذلك لأَن الضمير في المثال والبيتِ راجعٌ إلى ما بعده من قولك (رَجلا) وقول الشاعر (فتيةً) وهما نكرتان
وقد اختلف النحويون في الضمير الراجع إلى النكرة: هل هو نكرة أو معرفة على مذاهب ثلاثة:
أَحدها أَنه نكرة مطلقاً.
والثاني: أَنه معرفة مطلقاً.
والثالث: أَن النكرة التي يرجِع إليها ذلك الضميرُ إما أَن تكون واجِبَةَ التنكيرِ أَو جائزته، فإذا كانت واجبة التنكير كما في المثال والبيت فالضمير نكرة، وإن كانت جائزته؛ كما في قولك (جاءني رجل فأكرمته) فالضمير معرفة، وإنما كانت النكرةُ في المثال والبيت واجبَة التنكير لأَنها تمييز، والتميز، لا يكون إلا نكرة، وإنما كانت في قولك (جاءني رجل فأكرمته) جائزة التنكير لأَنها فاعل، والفاعل لا يجب أَن يكون نكرة، بل يجوز أَن يكون نكرة وأَن يكون معرفة، تقول (جاءني رجل) و (جاءني زَيْدٌ)
قلت - عبد العزيز -: الأول أرجح وهو قول سيبويه رحمه الله، وقد صدره ابن هشام رحمه، وإطناب ابن هشام رحمه الله في الثالث لا يدل على رجحانه، لأن القول به ينقض القول بنكارة (من) و (ما) التي استدل النحاة وعلى رأسهم شيخهم سيبويه رحمه الله على نكارتهما بدخول (رب) عليهما
(رب) حرف، قال سيبويه ("كم" اسمٌ و"ربّ" غير اسم)
في بعض ما يضاف إلى المعارف و لا تفيده إضافته تعريفا لأنه في حكم الانفصال أو أنه من المبهمات الموغلة في الإبهام، ودليل ذلك دخول (رب) عليه
سيبويه 492/ 1:
... ومثله قول جرير:
يَا رُبَّ غَابِطِنَا لَوْ كَانَ يَعْرفكُمْ * لاَقَى مُبَاعَدَةً مِنْكُمْ وَحِرْمَانا
وقال أبو محجن الثقفي:
يَا رُبَّ مِثْلِكِ فِي النِّسَاءِ غَرِيرَة * بَيْضَاءَ قَد مَتَّعْتُهَا بِطَلاق
فرب لا يقع بعدها إلا نكرة، فذلك يدلك على أن " غابطنا " " ومثلك " نكرة.
قلت - عبد العزيز -: ف (غابط) اسم فاعل لم تفده الإضافة إلى (نا) سوى التخفيف، وهو في حكم الانفصال (غابطٍ لنا)، ومن أجل هذا حل لـ (رب) أن تدخل عليه
و (مثل) من المبهمات الموغلة في الإبهام ولا تتعرف بالإضافة، ولذلك دخلت (رب) عليها مضافة
دخول رب على معرفة معطوفة على نكرة
سيبويه 50/ 2:
وأما (رُبَّ رجلٍ وأخيه منطلقَين)، ففيها قبحٌ حتى تقول: (وأخٍ له). و (المنطلقان) عندنا مجروران من قبل أن قوله: (وأخيه) في موضع نكرة، لأن المعنى إنما هو: وأخٍ له.
فإن قيل: أمضافة إلى معرفة أو نكرة؟ فإنك قائل إلى معرفة، ولكنها أجريت مُجرى النكرة، كما أن (مثلك) مضافة إلى معرفة وهي توصف بها النكرة، وتَقع مَواقعَها. ألا ترى أنك تقول (ربّ مثلِك). ويدلّك على أنها نكرة أنه لا يجوز لك أن تقول: (ربّ رجلٍ وزيدٍ)، ولا يجوز لك أن تقول: (ربّ أخيه) حتى تكون قد ذكرت قبل ذلك نكرة.
قلت - عبد العزيز -: القبح الذي في (رُبَّ رجلٍ وأخيه منطلقَين) دخول رب على (أخيه) المعرف بالإضافة، والأحسن عزل المضاف عن المضاف إليه (رب أخٍ له) فتفصل، والضمير معرفة والمضاف إليه في حكم النكرة على الفصل كما هو في (ربه فتى)
عود الضمير على نكرة
51/ 2:
وقال الأعشى:
وكم دون بيتكَ من صفصَفٍ * ودَكداكِ رَملٍ وأعقادِها
و وضْعِ سِقاءٍ وإحقابِه * و حَلِّ حُلوسٍ وإغمادِها
هذا حجةٌ لقوله: رُبّ رجلٍ وأخيه. فهذا الاسم الذي لم يكن ليكون نكرةً وحدَه، ولا يوصف به نكرة، ولم يحتمل عندهم أن يكون نكرة، ولا يقع في موضع لا يكون فيه إلا نكرة حتى يكون أول ما يَشغلُ به العاملَ نكرة، ثم يُعطف عليه ما أضيف إلى النكرة، ويصيّر بمنزلة مثلك ونحوه.
قلت الحجة فيه عود الضمير في قول الأعشى (أعقادها) و (إحقابه) و (إغمادها) على نكرة، فهو في حكم النكرة وإن كان معرفة أصالة و (أعقادها) و (إحقابه) و (إغمادها) نكرات للأنها مضافة لمعارف تعود على نكرات فهي في حكم النكرات، ومن هنا كانت الحجة فيه ل (رب رجل وأخيه)
الأسماء الموصولة معارف، وتأتي نكرة، واستدل النحاة وعلى رأسهم شيخهم سيبويه على نكارة (من) و (ما) بدخول (رب) عليهما
سيبويه 104/ 2:
ويقوّي أيضاً أن (مَن) نكرة، قول عمرو بن قَميئة:
يا رُبَّ مَن يُبغض أذوادَنا * رُحنَ على بَغْضَائِه واغْتَدَيْنْ
ورُبّ لا يكون ما بعدها إلا نكرة. وقال أمية بن أبي الصلت:
¥