تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا الاصطلاح الأخير هو الاصطلاح المقصود بكتب الأمثال عامة في الأدب العربي وهو أيضا اصطلاح شائع في الآداب السامية القديمة، وقد قال بعض الباحثين إن في العهد القديم " بضعة أمثال شعبية " ()، وكلمة " بضعة " توحي بالقلة – مع أن العهد القديم يمتلئ بهذا اللون من المثل الشعبي، وأورد " قاموس الكتاب المقدس " حوالي اثني عشر مثلا منها – على اعتبار أنها أمثله لأشهرها. ()

وإذا انتقلنا إلى تعريف المثل في الثقافة العربية وجدنا التهانوي يعرفه بقوله:

" المثل في الأصل بمعنى النظير، ثم نقل إلى القول السائر – أي الفاشي – الممثل بمضربه وبمورده، والمراد بمورده الحالة الأصلية التي ورد فيها، و بالمضرب الحالة المشبهة بها – التي ورد فيها الكلام " ()

موقف الأمثال المدونة من هذا الاصطلاح:

ولكن:

هل كل الأمثال المدونه ينطبق عليها هذا الاصطلاح؟

تحتاج الإجابة على هذا السؤال تقليب الصفحات التي سودت في المثال من أي كتاب دونها. والذي يتأمل هذه الأمثال يعتقد أن هذا التعريف ينبغي أن يمنع كثير من التعابير التي وردت في كتب الأمثال من الولوج فيه، أو بعبارة أخرى، فإن دواوين الأمثال العربية – وغير العربية حسب معلوماتي التي تيسرت – لم تلتزم هذا التعريف في إيراد الأمثال؛ بل توسعت منذ بدء التدوين في جمع هذه المادة التي سميت الأمثال

فنستطيع أن نجزم أن القول الذي يعبر عن قانون اجتماعي أو خلقي معين، أو القول الذي كان له مورد واقع أو مفترض ثم طار في الآفاق، وأخذه الناس مأخذ المثل – هذا القول الذي هذه صفته ليس هو وحده الذي دونه جماع الأمثال، بل ربما لم يشكل أغلبية المادة المجموعة، وقد نستطيع أن نقسم معظم المادة المجموعة في كتب الأمثال إلى ما يأتي:

[1] المثل: ونقصد به: القول الذي ينطبق عليه التعريف الأخير، وما دار حول معناه.

وذلك له مورد ومضرب.

المورد: هو الموقف الذي قيلت فيه العبارة أول ما قيلت.

والمضرب: هو كل موقف يمكن أن يتمثل بها فيه.

وهذا مثال:

(كفى برغائها مناديا) ()

مورد هذا المثل:

ما رووه من أن ضيفا أناخ بفناء رجل، فجعلت راحلته ترغو، فقال الرجل: ما هذا الرغاء؟ أضيف أناخ بنا فلم يعرفنا مكانه فنقدم قراه؟ فقال الضيف: كفى برغائها مناديا!

وأما مضربه:

فيضرب مثلا للشيء يكتفي بمنظره عن تعرف حاله.

ويلاحظ هنا أن مورد المثل يمكن أن يكون خيالياً، وأو خرافيا إن شئت الدقة؛ مثل قولهم:

(كيف أعاودك وهذا أثر فأسك؟) ()

حيث يزعمون أن الذي قال ذلك هو (الحية) التي قتلت رجلا كان أخا لصاحبها وصديقها، فحاول صديقها قتلها انتقاما، ولكنها أفلتت منه، فهدمت فأسه جحرها، فحاول أن يعيد خطب ودها، فأجابته بذلك.

[2] الحكمة:

وهي قريبة من المثل في أنها تسير في الناس، ولكنها تفتقر إلى قصة المورد؛ وذلك مثل قولهم:

(ما كل سوداء تمرة) ()

وقولهم:

(من حفر مغواة وقع فيها) ()

وأحيانا كثيرة تكون هذه الحكمة جزءا من بيت أو شطراً منه أو بيتاً من الرجز، مثل الحكمة التي صارت كالمثل:

(عند الصباح يحمد القوم السرى) ()

وليست العلاقة بين المثل والحكمة بعيدة؛ فالمثل حكمة بوجه من الوجوه، وها هو أبو عبيد القاسم بن سلام يقول – أو ينسب إليه في مقدمة رسالته عن الأمثال – التي طبعت في الأسيتانة سنة 1302 هـ:

" هذا كتاب الأمثال، وهي حكمة العرب في الجاهلية والإسلام " فهو يرى أن المثل هو حكمة العرب.

وقد سميت الحكمة مثلا عند العبرانيين أيضا، حتى إن سفر الأمثال نفسه هو مجموعة من الحكم، تبدأ بقول جامعها:

" أمثال سليمان بن داود ملك إسرائيل، لمعرفة حكمة وأدب، لإدراك أقوال الفهم … لفهم المثل واللغز أقوال الحكماء وغوامضهم " ()

وسفر الأمثال في مجموعه جملة من الحكم المجموعة، ومن المستبعد أن تكون كلها لسليمان وحده أو لغيره وحده، لأنه " مجموعة من الأمثال لا تربط بينها رابطة، وليس في أسلوبها وحده أو تناسق، فالسفر – فيما نعتقد – ليس من فعل شخص واحد، ولا نتاج عصر واحد، وإنما هو من الآداب الشعبية التي تتناقلها الأجيال، وتدخل عليها كثيرا من الزيادة والنقصان " ()

ويبدأ مواعظه بقوله:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير