" .. اسمع يا بني تأديب أبيك، ولا ترفض شريعة أمك؛ لأنهما إكليل نعمة لرأسك وقلائد لعنقك، يا بني إن تملقك الخطاة فلا ترض .. " ()
وهذه حكم ومواعظ سميت أمثالا.
وأما النوع الثالث لما ورد في كتب الأمثال العربية من تعابير؛ فهو ما يمكن أن نسميه (القالب اللغوي الذي يجمع بين الإيجاز والعطاء المتجدد، من غير أن يحمل كل خصائص المثل ومقوماته)؛ وذلك مثل قولهم: " لألحقن حواقنه بذواقنه " ()
وقولهم: لأرينه لمحا باصرا " ()
وهما يضربان للتهديد، ومعنى المثل الأول: (لأفسدنه)، أو (لأجعلنه لا يلتئم على نفسه)
ومعنى الثاني: (ليعرفن مني ما لم يعرف)
وكذلك قولهم:
" فلان لا يعرف الحي من اللي "
قال العسكري:
" يقال ذلك للأحمق الذي لا يعرف شيئا "
ومنه - يعني من هذه التعابير – قولهم:
" حلف بالسمر والقمر " ()
وكل هذه التعابير ليس فيها مقومات المثل، من حيث المورد ولا من حيث إنه حكمة قصد بها التوجيه، وإنما أخذ منه السيرورة واعتباره قالبا متجددا مسمى مثلا، وهذا كثير عندهم.
وزن أفعل وثقافة القبائل والشعوب
[4] الأمثال التي على وزن أفعل:
ومنها ما هو مثل اصطلاحا، وكثير منها لا ينطبق عليه مصطلح المثل، وإن كانت سائرة كالحكم، ولها مواضع تضرب فيها؛ فالملاحظ أنها – تفتقر إلى المورد، ويبدو أنهم اعتاضوا في موردها عن القصة أو الخرافة بالحس والتجربة واستشهاد الطباع والطبائع، وانظر إلى قولهم:
" أخف من النسيم " ()
تجد أنه لا يحتاج إلى قصة لمورده، وإنما مورده ظاهر في أن طبيعة النسيم الخفة، فهذه الأمثال تنسب إلى الأشياء أظهر ما فيها من طباع، ثم تتجاوز ذلك إلى وصف غيرها بما هو أكثر مما فيها منها، وذلك على سبيل المبالغة والتناهي، لا على سبيل الحقيقة، فليست العرب تقصد أن هناك ما هو أخف من النسيم أو أدق من الهباء ()، أو أرفع من السماء ()، أو أشام من البسوس ()، ولكنها تطلق (أفعل) لتدل على المبالغة في وصف الذي أطلق عليه هذا التعبير بهذه الصفة، فحين يقال:
" هذا الخبر أشهر من الشمس "
لا يراد لفظه، فليس هناك أشهر من الشمس، وإنما يراد وصفه بالشهرة المتناهية، ولذلك عبر العسكري حين سرد هذا اللون من الأمثال بقوله: " الأمثال المضروبة في المبالغة والتناهي () " ولو وقفنا قليلا أمام أمثال المبالغة نلاحظ:
أ - أنها تعبر عن تفاوت الناس في اعتبار " المثل الأعلى " لصفة بعينها – باعتبار أن هذه الأمثال لم تخرج من فم رجل واحد أو قبيلة واحدة أو حتى بلد واحد.
ولو أخذنا مثالا على ذلك الأمثال المضروبة في الشؤم – أعاذنا الله منه – لوجدنا أنها – على حسب رواية العسكري ستة عشر مثلا، وهذا يعنى أن هناك تسعة عشر (مثلا أعلى) للشؤم هي:
أحمر عاد، والأخيل، وبراقش، والبسوس، وخميرة، وخوتعة، وداحس، ورغيف الحولاء وزحل، وزرقاء، والزماح، والسراب (والمقصود بها الناقة) ()، والشقراء، وطويس، وطير العراقيب، وغراب البين، وقاشر، وقدار، ومنشم. ()
ومن المقطوع به – تاريخا – والراجح جدا – عادة – ألا تكون هذه الأمثال قيلت من مصدر واحد، وهذا يدل على أن مقياس الشؤم ومعارف القبائل، وتاريخها، وموقعها – كل ذلك أثر في اختيار " المثل الأعلى للشؤم "؛ فالبعض اعتبره شخصا – ذكرا أو أنثى – ارتبط شؤمه بوقائع تاريخية بعينها: مثل البسوس التي كانت سببا في معارك دامت بين بطون (ربيعة) – بل بين بني وائل خاصة أربعين سنة () أو مثل " منشم " على رأى من قال إنها امرأة ()، ومنهم الأصمعي – لأنها ارتبط عطرها بالرجال القاصدين الحرب بعهدهم أن يستميتوا في الحرب حتى الموت، يعنى أن الذي يذهب إليها لا يعود. وعلى زعم أبى عمرو الشيباني لأنهم كانوا يشترون منها حنوط القتلى إذا ماتوا. وفي تفسير قصتها مزاعم أخرى.
- والبعض يرى ذلك المثل الأعلى في حيوان كان سببا في خسارة لنفسه أو لأصحابه: مثل (الشقراء) وهي فرس لقيط بن زرارة – على حد رواية أبي عبيدة – أو لثور بن هدية بن لاطم – على حد رواية الكلبي، وتتفق الروايات – على اختلافها – في معنى محدد، وهو أن اعتزاز صاحبها بها كان سببا في إجهادها وإتعابها كل دهرها ()
¥