تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ونظرا لما لخليل من الأهمية في المنهج الفقهي قسمه الموريتانيون إلى دروس سموها "أقفافا" ومفردها "قف"، وهي توحي للطالب بأن تجاوز هذه المادة يعسر استيعابه وفهمه للذكي بله غيره. وعادة ما يعتمد "القف" على وحدة الموضوع أو فرع منه ذي ترابط قوي، كل ذلك في إشارة وتلويح إلى صعوبة هذا الكتاب وكثافة مادته العلمية. كما يطلق الموريتانيون على القسم الأول منه المختص بالعبادات "السفر"، والقسم الثاني المتعلق بالمعاملات "الباب". والغالب ألا يختمه حفظا واستيعابا إلا النابهون من "المحظرة". وقد اشتهرت محظرة أهل محمد محمد سالم بالتخصص في الدراسة الفقهية.

أما في الأصول فإن المتون الأساسية فيه أبرزها نظم "الكوكب الساطع" الذي عقد به السيوطي جمع الجوامع للسبكي، إضافة إلى "ورقات إمام الحرمين" التي نظمها الشيخ سيدي محمد ولد الشيخ سيدي المختار الكنتي رحمهما الله.

القواعد بعد العقائد

وفي النحو والصرف تشكل ألفية محمد بن مالك رحمه الله العمود الفقري للدرس. وكما خدموا "خليلا" من خلال تنظيمه وتوزيعه اهتموا بالألفية. وقد عقد النحوي المعروف المختار بن بونا رحمه الله كتاب التسهيل لابن مالك وسمى نظمه بـ"الاحمرار"، ووضع ما تبقى من الكتاب حواشي متعددة على النص تسمى "الطرة"، وقد أصبح "نظم" و"طرة" ابن بونا معتمدين في كافة المحاظر الموريتانية، ولا تدرس الألفية غالبا إلا مقترنة بهما. ويميز الطالب بين نص ألفية ابن مالك ونظم ابن بونا عن طريق لون الحبر؛ فتكتب ألفية ابن مالك بالحبر الأسود وتسمى "الاكحلال"، فيم يكتب نظم ابن بونا بالحبر الأحمر ويعرف بـ"الاحمرار"، وتكتب الطرة بالحبر الأسود. وإن أراد الطالب أن يزيد عليها تعليقا سمعه من الشيخ أو طالعه في مرجع ما، أو نظما لقاعدة جديدة فإنه يكتبها بحبر مغاير تمييزا لها، وتعرف تلك الزيادات بـ"الحواشي".

بيد أنه -كما مر بنا في الفقه- تداول الموريتانيون مختصرات في النحو تعتبر نواة يبدأ بها الطالب الدرس النحوي مثل "الآجرومية" و"ملحة الإعراب".

وقد امتازت المحظرة الموريتانية بتلقين نحوي ولغوي لا نظير له في العالم الإسلامي يتمثل في "الزرك"، وهو عبارة عن تعزيز القواعد النحوية وإثراء المادة اللغوية وذلك باختبار الطلاب كل ليلة ببيتين من قصيدة منتقاة من الشعر الجاهلي، ويشرح الشيخ البيتين شرحا وافيا بعد التأكد من حفظ الطلاب لهما، ثم يطلب منهم إعراب الأبيات كلمة كلمة شفويا، والغالب أن يتجمع الطلاب حسب مستواهم النحوي على أن يبدأ الضعيف فالمتوسط فالممتاز، وتكون فرصة لتدارس ومناقشة القواعد النحوية والاستزادة من المعجم اللغوي والحكايات والنوادر الأدبية.

ولا شك أن لتلك الفكرة دورا بارزا في التعود على الإعراب والتمرن على القواعد النحوية باستمرار، ناهيك عن الجانب اللغوي والأدبي الجلي تطبيقا دون اللجوء إلى الكتابة. وعادة ما يتباهى الطلاب أيهم أسرع في الإجابة وأكثر تركيزا ونضجا في الجواب. وقد يتبارى الطلاب فيما بينهم في إعراب كلمات من القرآن أو الحديث أو الشعر العربي، وفي حالة الاختلاف يكون الشيخ حكما يرضى الجميع بحكمه، وربما طلبوا منه أن يختبرهم بكلمة عويصة الإعراب يتبارون في كشف حقيقة إعرابها.

وللإعراب أهمية كبيرة في المحظرة الموريتانية لدرجة أنه شاع فيهم قول القائل:

كل فتى شب بلا إعراب ** فهُو عندي مثَل الغراب

(ومثل في البيت بتحريك الثاء)

ونجد أحد العلماء الموريتانيين وهو العلامة النابغة الغلاوي رحمه الله يعيب الفتوى على جاهل النحو حيث يقول:

وبعضهم يفتي وهو جاهل ** إعراب بسم الله عنه ذاهل

فمثل هذا لا يكون مرشدا ** لجهله النحو ومما أنشدا

عليك بالنحو فإن النحوا ** لحن الخطاب ملكه والفحوى

وقد اشتهرت بعض المحاظر بالتخصص في الدرس النحوي وإن شاركت في معرفة العلوم الأخرى مثل محظرة المختار بن بونا، ومحظرة ولد عبد الودود رحمهما الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير