الثامن: قولهم: " ما كُلُّ سَوْداءَ تمرةً، ولا بَيْضاءَ شحمةً " (36).
فعطف (بيضاءَ) على (سوداءَ)، و (شحمةً) على (تمرةً) (37).
التاسع: قول الشاعر (38):
أَلا يا لَقومي كُلُّ ما حُمَّ واقِعٌ ** ولِلطَّيْرِ مَجْرىً والجُنُوبِ مَصارِعُ (39)
فعطف (الجنوب) على (الطير)، و (مصارع) على (مجرى).
واحتج مَن منعَ العطف على معمولي عاملين مختلفين بأمور:
الأول: أن حرف العطف ضعيف، فلا يكون بمنزلة عاملين مختلفين (40).
الثاني: أنه لو جاز العطف على عاملين لجاز العطف على ثلاثة، وأكثر من ذلك، ولا يجوز ذلك بإجماع (41). قال ابن عقيل: " ومثاله - أي العطف على ثلاثة - جاء من الدار إلى المسجد زيدٌ، والحانوتِ البيتِ عمروٌ " (42)، أي: وجاء من الحانوت إلى البيت عمرو.
الثالث: أن العطف علت معمولي عاملين مختلفين إن لم يكن أحدها جارّاً مُجمع على منعه، وأن حذف ما دل عليه دليل من حروف الجر وغيرها مجمع على جوازه، والأكثر على منع العطف على معمولي عاملين مختلفين مطلقاً، فيُحمل ما ورد موهماً العطف على عاملين على ما أجمعوا على جوازه، فيقدر الجار محذوفاً (43).
الرابع: أن العطف على معمولي عاملين مختلفين بمنزلة تعديتين بمُعَدٍّ واحد، ولا يجوز، فكذلك ما هو بمنزلته لا يجوز (44).
وأجابوا عن الأدلة التي احتج بها المجيزون بما يلي:
الأول: أجابوا عن آية الجاثية بخمسة أجوبة:
أولاً: أن (في) مقدرة، وكذلك هي في مصحف ابن مسعود (45)، فالواو نابت مناب عامل واحد (46).
ثانياً: أن (آيات) توكيد لـ (آيات) المتقدمة، ولا معطوفة عليها، وحسن هذا التأكيد لطول الكلام (47).
ثالثاً: أنها نصب على الاختصاص (48).
رابعاً: أنها على إضمار (إنَّ) و (في) (49).
خامساً: أن القراءة لحنٌ (50).
الثاني: أجابوا عن آية سورة سبأ بجوابين:
أولاً: أن (إن) و (اللام) لمعنى واحد، وهو التوكيد، فكأنهما حرف واحد، والتشريك واقع في حرف واحد (51).
ثانياً: أن (في) لم يُعطف عليها شيء يلي حرف العطف، وهي معطوفة على ما قبلها (52).
الثالث: أجابوا عن بيت أبي دواد بثلاثة أجوبة:
أولاً: أنه على تقدير (كل)، وكذا قدروها في المَثَل (53).
ثانياً: أن رواية البيت بنصب (ناراً) الأولى (54).
ثالثاً: أنه من النادر (55)، أو الشاذ (56).
الرابع: تأول سيبويه بيتَ الشَّنَّى على أن الهاء في (مأمورها) تعود إلى (منهيها)، فجعل المأمور للمنهي، المنهي هو الأمور، لأنه من الأمور، وهو بعضها، فكأن الضمير الذي أضيف إليه المأمور عائد عليه، لأن بعض الأمور أمور، والتقدير: فليس بآتيك الأمور منهيها ولا قاصر عنك مأمورها، ومأمورها من سبب الأمور. واستشهد سيبويه لجعله منهي الأمور بمنزلة الأمور بقول جرير (57):
إذا بعضُ السِّنينَ تَعَرَّقَتْنا ** كَفى الأَيتامَ فَقْدَ أبي اليَتِيْم (58) وكذلك تأول بيت النابغة، فجعل الثاني من سبب الأول، لأن قوله: (أن نردها) أي الخيل، والرد ملتبس بالخيل، فكأنه منها، والعقر متصل بضميرها، فكأنه اتصل بضمير الرد حيث كان من الخيل، وتقدير البيت عنده: فليس بمعروفة خيلنا ردها صحاحاً ولا مستنكرٍ عقرها (59). وأخبر عن الخيل بالمذكر على نحو بيت جرير السابق.
الخامس: جعلوا الأبيات الثلاثة الباقية على تقدير حرف الجر، وهو الباء في بيتي الفرزدق (60)، وأبي النجم (61)، واللام في بيت البعيث.
وجعلوا حذف الجار، مع بقاء عمله، من غير أن ينوب منابه شيء من قبيل قول رؤبة لمن قال له: كيف أصبحت؟: " خيرٍ عافاك الله " (62).
ومن قبيل قول الشاعر (63):
* رَسْمِ دارٍ وَقَفْتُ في طَلَلِهْ * (64)
وحرف الجر فيهما محذوف دون تعويض، وعمله باقٍ (65).
ويظهر لي أن مذهب المجيزين للعطف على معمولي عاملين مختلفين أصح، لما ذكروا من المسوع الصحيح من القرآن الكريم، والشعر، وكلام العرب، وإجابات المانعين لا يسلم كثير منها من اعتراض، أذكره بعد الإجابة عن حججهم في المنع.
¥