هذا ما قالته الباحثةُ، وأثبتته في رسالتها، والروايةُ التي سمعتُها وقت الحادثة والتي نقلت إلى الدكتور أحمد كحيل وهو الذي نقل الخبرَ، وسمعتُه أيضاً من عددٍ من الزملاء المصريين ربما يختلفُ بعضَ الشيء، فبعد وصولهما استقلا السيارة الخاصة، وبعد خروجِهم من المطارِ بمسافةٍ ليست بعيدةً حانت التفاتةٌ من السائق، فانحرفت السيارةُ عن الطريق، واصطدمَت بعمودِ كهرباءَ، وأصيبَ الشيخُ الذي كان يجلس في المقعد الأمامي بضربةٍ في الجبهةِ وأعلى الأنفِ، مما سبّبَ دخولَه في غيبوبةٍ طيلة يومي الثلاثاء والأربعاء، وجاءه أولادُه وبناتُه، وهو ما زالَ في غيبوبةٍ، وأفاقَ بعدَ العشاءِ، وسألَ عن ابنتيه هناء وآيات، وطلبَ أن يراهما، وبقيَ مستفيقاً مدةً ليست طويلةً وانتهت الزيارةُ، فلما جاءَ الأبناء صباحَ اليوم التالي وهو يوم الخميس أفادَ المستشفى أنَّ الشيخ توفي في الليل، يعني ليلة الخميس 9/ 4/1404هـ.
رحمه اللهُ رحمةً واسعةً، وغفرَ له، وأسكنه فسيحَ جنته، وألحقه بالصدّيقينَ والشهداءِ وحسنَ أولئك رفيقاً.
بعض أقوال الشيخ:
للشيخ – رحمه الله تعالى - أقوالٌ كثيرةٌ، تجسِّدُ منهجَه في الحياةِ والبحثِ والتعاملِ معَ الآخرين، وله نظرتُه الثاقبةُ، وآراؤه الدقيقةُ، أمّا في العلمِ فقد بناها على درسٍ وتمحيصٍ وتدقيقٍ، أما في الحياة فقد أملاها ذكاؤه وبصرُه بالناس، ولن أزيد على هذا، وإنما اخترتُ نصوصاً من أقوالِه مسندةً إلى أعماله موثِّقاً جميع ما نقلتُ.
قالَ - رحمه الله تعالى -: " إذا قرأَ النَّاسُ القرآنَ الكريمَ للتدبُّرِ والعبرةِ ونيلِ الثوابِ فلا يشغلُني في قراءةِ القرآنِ إلا الجانبُ النحويُّ، تشغلُني دراسةُ هذا الجانبِ عن سائرِ الجوانبِ الأخرى.
أهوى قراءةَ الشعر، وأحرصُ على حفظِ الجيِّد منه، ولكنَّ جيِّدَ الشعر الذي يصلح لأن يحلَّ محلَّ شواهدِ النحو له تقديرٌ خاصٌّ في نفسي.
ورحمَ الله ثعلباً فقد قالَ: اشتغلَ أهلُ القرآنِ بالقرآنِ ففازوا، واشتغل أهلُ الحديثِ بالحديثِ ففازوا، واشتغلَ أهلُ الفقهِ بالفقهِ ففازوا، واشتغلت أنا بزيدٍ وعمرٍو، فيا ليت شعري ماذا تكونُ حالي في الآخرةِ".
قال - رحمه الله تعالى-: " وفي رأيي أنَّه لا يجملُ بالمتخصِّصِ في مادَّتِه العاكفِ على دراستِها أن تكونَ طبعاتُ كتابِه صورةً واحدةً لا أثر فيها لتهذيبٍ أو قراءاتٍ جديدةٍ، فإن القعودَ عن تجديدِ القراءةِ سمةٌ من سماتِ الهمودِ، ولونٌ من ألوانِ الجمودِ ".
وقال – رحمه الله تعالى -: " وليس من غرضي في إخراج المقتضب أن أزهوَ به، وأحطَّ من قدر سواه، فإنِّي أكرمُ نفسي عن أن أكون كشخصٍ كلَّما ترجم لشاعرٍ جعله أشعرَ الشعراءِ ".
قال – رحمه الله تعالى -:" فحديثي اليوم إنما هو وحيٌ هذه التجربة، وثمرة تلك الممارسة والمعاناة، ولكلِّ إنسانٍ تجربته، فإذا كان لغيري تجربةٌ أخرى، أو رأيٌ آخر يخالف ما أذكرُه أو استفسارٌ فليكتب لي عن ذلك بعد الفراغ من المحاضرة، وعلم الله أنَّي لا أضيقُ بالرأيِ المخالفِ، وفي يقيني أنَّ المناقشةَ تنضجُ الرأيَ وتهذِّبَه ".
وقال – رحمه الله تعالى -: " لقد سجَّلت كثيراً مما فاتَ النحويين، وليسَ من غرضي أن أتصيَّد أخطاءهم، وأردَّ عليها، ولسْتُ أزعم أنَّ القرآنَ قد تضمَّن جميعَ الأحكامِ النحويةِ، فالقرآنُ لم ينزل ليكونَ كتابَ نحوٍ، وإنَّما هو كتابُ تشريعٍ وهدايةٍ، وإنَّما أقولُ: ما جاءَ في القرآن كانَ حجّةً قاطعةً، وما لم يقعْ في القرآنِ نلتمسُه في كلامِ العربِ، ونظيرُ هذا الأحكامُ الشرعيةُ؛ إذا جاءَ الحكمُ في القرآن عُملَ به، وإن لم يرد به نصٌّ في القرآنِ التمسناه في السنَّةِ وغيرها ".
أمثلة من اختياراته واستدراكاته وأقواله:
لن أطيلَ الحديثَ عن تعقباتِ الشيخِ للسابقين، واستدراكاتِه في النحوِ والصرفِ، وإنّما سوف أكتفي ببعضِ الأمثلةِ، ومنها على سبيلِ المثالِ:
استدركَ على السهيليِّ استقباحَه تقدُّمَ معمولِ الفعلِ المقترن بالسينِ عليها، ووافق المبردَ والرضيّ وأبا حيان، ولم يشر هؤلاء الجلَّةُ إلى الدليل من السماع، ووقف الشيخ على هذا التقديمِ في القرآنِ الكريمِ، وأورد شاهداً عليه.
¥