ـ[حمزة الكتاني]ــــــــ[29 - 11 - 06, 02:51 ص]ـ
قال عبد الرءوف محمد عثمان في كتابه: " محبة الرسول بين الاتباع والابتداع ":
[يقول البوصيرى في البردة التي يترنم بها ملايين الصوفية:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حدوث الحادث العمم
ولن يضيق رسول الله جاهك بي ... إذا الكريم تجلى باسم منتقم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم
فهذا الشاعر خلع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أوصاف الربوبية والألوهية ما لا يليق وصف أحد به إلا الله وحده، فجعل الرسول وحده ملاذه ومعاذه عند حلول الخطوب ونزول الشدائد ثم نسب إلى الرسول الشفاعة مطلقا كما يعتقده المشركون في الشفاعة الشركية التي تكون بدون إذن ولا رضى من المشفوع عنده وإنما تكون بجاه الشافع ومكانته فقط.
أخي الكريم، العجب أن كثيرا ممن ينتقد البردة لا يكون ممن قرأها، أو متحاملا من غير علم ولا وعي، وقد أسلفت أنه يقبل في الشعر من المبالغة وأشباهها ما لا يقبل في غيره ....
فقول القائل أعلاه عن تلك الأبيات، يدل على أنه لم يفهم ما قرأ، أو لم يستوعبه، أو أنه متحامل من غير بينة، فصاحب البردة - رحمه الله - قالها في معرض الحديث عن الشفاعة يوم القيامة، ولا شك أن أهل الموقف يلجؤون إلى الأنبياء، فيردهم كل نبي إلى أن يصلوا للنبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله، والحديث بذلك موجود في الكتب الستة، وهو من عقائد الإسلام ..
فالكاتب إما لم يفهم، أو أنه مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة من أن النبي صلى الله عليه وسلم هو من سيلجأ إليه أهل المحشر لطلب الدعاء إلى الله تعالى من أجل تفريج ما هم فيه، وليس سواه من الخلق، بل ولا الخالق، من سيلجأون إليه .. فكلام البوصيري هناك عين الصواب ...
وقد بين ذلك بقول: "ولن يضيق رسول الله جاهك بي، إذا الكريم تجلى باسم منتقم" ... يعني يوم القيامة ...
ثم نراه يجعل الدنيا والآخرة من جوده، وأن علم اللوح والقلم من بعض علومه وهذا مع ما فيه من الشرك كفر بالله عز وجل. لأن كل ما ذكره من أوصاف الربوبية والألوهية لا يجوز بأي حال من الأحوال وصف أي مخلوق بها وإنما أي من صفات الخالق وحده.
قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا}. وقال تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ}. . . الآية. وقال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}] اهـ المقصود / quote]
هذا فيه من التحامل وعدم الفهم ما لا يصور، لأن كلام الناظم في الشطر الأول يقتضي معنيين:
إما أن من جوده خير الدنيا، وخير الآخرة، وحذف لفظة "خير" للمجاز، فلا ضير ولا خلاف في ذلك، إذ باتباع شريعته صلى الله عليه وسلم يحصل خير الدنيا والآخرة، كما تقرر في الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الكثيرة ... حتى قال الإمام الشافعي رحمه الله في مقدمة "الرسالة": "فلا نعمة تصيبنا في الدنيا والآخرة حسا ومعنى إلا وهو الواسطة فيها صلى الله عليه وسلم" .. أو كلاما هذا معناه، فليرجع إلى لفظه فيها ..
وإما أنه يقصد أن الدنيا والآخرة من جوده صلى الله عليه وسلم، بمعنى استمرارهما وبقاؤهما، ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم "رحمة للعالمين" بنص القرآن، والعالمين جمع عالم، والدنيا والآخرة عالمان من العالمين، ولولا الرحمة لما قاما، فلا يشك مؤمن في ذلك، بنص الكتاب والسنة والإجماع ...
وأما قوله: ومن علومك علم اللوح والقلم ... فهو يقصد القرآن الكريم، لأن فيه نبأ كل شيء كما في الكتاب والسنة، و"شيء" عام، ولا شك أن الله تعالى ما أرسله بالقرآن حتى علمه صلى الله عليه وسلم معانيه، ومستنبطاته، وعلومه ... إلخ. فكلام البوصيري هنا لا غبار عليه .. وراجع علوم الكتاب وما ورد فيها من أقوال السلف والخلف، وما وردت فيها من الأحاديث والإعجاز، فكل ذلك من علوم النبي صلى الله عليه وسلم ..
¥