يقول: لو كان موتك على يد عدو، لكنت آخذ الثأر منه، ولكنني لا أقدر على أخذ الثأر من الحمى التي قتلتك.
وما انسدت الدنيا علي لضيقها ... ولكن طرفاً لا أراك به أعمى
يقول: ما انسدت الدنيا علي لضيقها، ولكن بسبب فقدك، والعين التي لا أراك بها عمياء، فلذلك انسدت علي الدنيا وضاقت
فوا أسفاً ألا أكب مقبلاً ... لرأسك والصدر اللذي ملئا حزما
أراد باللذي: اللذين، فحذف النون لطول الاسم. وهو مثل قول الأخطل:
أبني كليبٍ إن عمي اللذا ... قتلا الملوك وفككا الأغلالا
وأكب: إذا أقبل على الشيء.
يتأسف على فوته الانكباب على رأسها وصدرها مقبلاً ووصفها بأنها كانت ذات حزم ورأى، والحزم: جودة الرأي.
وألا ألاقي روحك الطيب الذي ... كأن ذكي المسك كان له جسما
أصله: أن لا ألاقي، فسكن ضرورة. والروح: يذكر في الأغلب وقد يؤنث. والذكي: الذي رائحته حادة.
يتأسف على فوته الملاقاة بها ليلقى روحها، ثم وصف الحب الذي هو قالب الروح بأنه كان من ذكي المسك.
وقيل: تأسف أنه لم يمت فيلقى روحها في الأرواح.
ولو لم تكوني بنت أكرم والدٍِ ... لكان أباك الضخم كونك لي أما
الضخم: هو الشريف العظيم القدر.
يقول: لو لم يكن لك أبٌ شريفٌ، لكان كونك لي أماً يشرفك، ويغنيك عن شرف الآباء.
لئن لذ يوم الشامتين بموتها ... فقد ولدت مني لآنفهم رغما
يقول: لئن سرت الأعداء بموتها. أي يوم موتها فإن لقائي سيفهم، لأنها ولدت رجلاً يرغم أنفهم ويذلهم.
تغرب لا مستعظماً غير نفسه ... ولا قابلاً إلا لخالقه حكما
يذكر نفسه ويقول: إنه تغرب، لا يستعظم أحداً إلا نفسه!! ولا يرى أحداً فوقه! ولا يرضى بحكم أحد إلا بحكم الله تعالى.
ولا سالكاً إلا فؤاد عجاجةٍ ... ولا واجداً إلا لمكرمةٍ طعما
يقول: لم يزل في تغربه سالكاً، وسط غبار الحرب، ولا يلتذ بطعم شيء إلا طعم المكرمة، وليس تغريه لجمع المال مع الذي والهوان!!
يقولون لي: ما أنت؟ في كل بلدةٍ ... وما تبتغي؟ ما أبتغي جل أن يسمى
ما الأولى: استفهام. أي: على أي صفة أنت؟ وكذلك الثانية. والثالثة: بمعنى الذي.
يقول: كل بلدة دخلتها فأهلها يستعظمون حالي، ويسألون عن مرامي، وأنا لا أخبرهم بحالي، فإنها أعظم من أن تسمى.
وقيل: أراد أنهم إذا سألوني: ما الذي تبتغي؟ فجوابي: ما أبتغيه جل أن يسمى! كأنه أراد: الملك، أو النبوة، أو الإمامة.
كأن بنيهم عالمون بأنني ... جلوبٌ إليهم من معادنه اليتما
الكناية في بنيهم: للشامتين. والهاء في معادنه: لليتم، غير أنه قدمه في اللفظ، وهو مؤخر في المعنى.
يقول: إن أبناء أعدائي يفرون مني! فكأنهم يعلمون أني أجلب إليهم اليتم من معادنه، بأن أقتل أباءهم فأؤتمهم! وكثرة سؤالهم تدل على ذلك.
وما الجمع بين الماء والنار في يدي ... بأصعب من أن أجمع الجد والفهما
يقول: إن الجمع بين الماء والنار في موضع واحد، ليس بأصعب من الجمع بين البخت والعلم!! فهما منزلان في الاستحالة منزلة واحدة.
ولكنني مستنصرٌ بذبابه ... ومرتكبٌ في كل حالٍ به الغشما
أراد بالذباب: السيف، فأضمره، وذبابه: حده. والغشم: الظلم. يقول: إني وإن لم تساعدني الأيام، أطلب النصر بالسيف، وأرتكب الظلم، حتى أنال به ما أريد أخذه. من قول عمرو بن معد يكرب.
وخيلٍ قد دلفت لها بخيلٍ ... تحية بينهم ضربٌ وجيع
وجاعله يوم اللقاء تحيتي ... وإلا فلست السيد البطل القرما
القرم: السيد الرئيس.
يقول: أعدائي يوم الحرب، ضربت وجوههم بالسيف، وأقمته مقام التحية وإن لم أفعل فلست بسيد شجاع، ولا كريم مطاع.
إذا فل عزمي عن مدىً خوف بعده ... فأبعد شيءٍ ممكنٌ لم يجد عزما
قوله: خوف: فاعل فل. وعزمي: فاعله.
يقول: إذا كسر عزمي؛ مخافة بعد المدى. يعني: كلما رمت أمراً بعيداً فأكسر عزمي خزفاً من بعده، فلم أظفر بمطلوب أبداً، فإنه إنما يدرك بصحة العزم، وأقرب الأشياء تناولاً إذا لم يكن عزم على تناوله فهو أبعد الأشياء.
(1/ 150)
وقيل: أراد أني إذا تركت أمراً بعيداً خوفاً من بعده؛ لانفلال عزمي دونه، فإني أركب ما هو أبعد منه، حيث لم يتقدمه عزم، من تعريض نفسي للقتل وطلب الموت.
قلت: يجوز أن يكون مراده بذلك الدعاء على نفسه. يقول: إذا تركت الأمر لبعد تناوله وعسر مرامه، فأبعد الأشياء إمكاناً لم يجد عزمي. فكأنه يقول: ما وصلت أبداً إلى مرام أصعب، على جهة الدعاء.
¥