تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فكتبته في هذه الأيام ضنًا به على الأيام أن تطويه، ولأن العقاد كان يقول: «الذاكرة مَلَكة مستبدة، تحفظ وتنسى على غير قانون ثابت»، فما في هذه الفوائد مما يلوح أنه على غير وجهه فالشَّيْخ بريء منه، وإنما تبعته على هذه الملكة المستبدة، وإن شئت فقل: أو على صاحبها.

ثَم إني سقت هذه الفوائد هكذا عفو الخاطر كيف اتفق، فلم أرتبها على بابات العلم بابة بابة ... ليكون أروح لنفس قارئها، ولم أعلق على ما ورد فيها إلا يسيرًا، حتى تكون أدخل في فطرة العلم منها في صنعته، إذ كانت تلك المجالس مع الشَّيْخِ على هذا المثال:

1ـ قال لي الشَّيخ رحمه اللَّهُ: ما ندمت على شيء في شبابي ندمي على كتابين فرطت فيهما:

أ ـ كتاب «الزهد» للإمام أحمدَ رحمه الله .. كنت في مكة فمررت في طريقي على كتبي فإذا به قد عرض نسخاً من كتاب «الزُّهد» هذا طبع الهند، وكان إذ ذاك نادراً .. فسألته عن ثمنه فكأن الثمن كان مرتفعاً فتركته، فقال لي الكتبي: خذ نسخة منه ولا تتركه فهو نادر وستندم على تركه فإنما وجدناه في أحد المستودعات، قال الشيخ: فلم آخذ نسخة منه، وذهبت بعد كلامه هذا مباشرة لزيارة سَماحَة الشَّيْخِ عَبدِ العَزِيزِ ابْنِ بَازٍ ـ وقد كان يعرف محبتي للكُتُبِ ويسألني عما رأيته منها في المكتبات ـ فأخبرته عن كتاب «الزُّهد» فقال: وما اشتريت منه شيئًا؟ فقلتُ: لا، فقال: سبحان اللَّهِ، كتاب «الزُّهد» للإِمامِ أَحْمدَ تركته وما اشتريت منه شيئًا، هذا عجيب، قال الشَّيْخُ فأحسست عندها بتفريطي، فقال لي سَماحَةُ الشَّيْخِ: اذهب الآن إلى الكتبي واشتر منه الكمية كلها، قال: فنزلت مسرعاً، فلما وافيت الكتبي لم أر عنده نسخة واحدة، فسألته: أين كتاب «الزهد»؟ فقال: بعته كله ولم يبق منه شيء، وعاتبني قال: ألم أقل لك خذ نسخة منه فهو نادر. قال الشَّيْخُ: لم يكن بين تركي له في المرة الأولى وعودتي إليه إلا زمن يسير باع فيه الكتاب كله، وندمت على فوات هذا الكتاب ندماً شديداً، ثم إن الكتاب طبع بعد ذلك وكثرت نسخه بأيدي طلبة العلم.

ب ـ قالَ الشَّيْخُ: وأما الكتاب الثاني: فكتاب «غرائب الاغتراب» رحلة الألوسي المفسر .. رأيته في شبابي عند بعض الكتبيين أخرجه من خزانة خاصة في المتجر، وقلّبته فسألته عن ثمنه فإذا مبالغ فيه جداً، قال الكتبي: خذه فهو نادر ولعلك لا تجده بعد هذه المرة، فطلبت منه خفض ثمنه بعض الشيء فلم يوافق فتركته .. ثم أني لم أجده بعدها ولم أره في يوم من أيام حياتي على كثرة ما رأيت من الكتب ..

قال الشَّيْخُ: حتى إني حين قلّبت الكتاب عند الكتبي علقت في ذهني مسألة من مسائله، فذكرتها في أحد كتبي وأحلت إلى الكتاب دون ذكر الصفحة هكذا من الذاكرة.

قلت: رأيت في مرض الشَّيْخِ ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ نسخة من هذا الكتاب، هي نسخة جمال الدِّين القَاسميّ، وعليها تعليق بخطه في نصف صفحة فيه: أن الشَّيْخَ زكريا الأنصاريّ كان إذا مرض استشفى بمطالعة كُتُب أهلِ العِلمِ!

2 ـ قال الشَّيْخُ: لا أحب الإطالة في النزهة، وليس من عادتي الخروج إلى الصحراء وقت الربيع إلا في القليل .. وإذا خرجت فلتناول الغداء ونحوه، ثم أعود.

3 ـ قلت للشَّيخِ: سمعت من عالم الجزيرة الشَّيْخ حمد الجاسر أن بعض علماء شقراء رأى تلميذًا له قد أقبل وعليه خاتم، فقال يمازحه: ألا قل لبعض الناس مثل محمد متى كان دين اللَّهِ لبس الخواتم ثم إن الشَّيْخَ ابن سحمان بلغه هذا البيت فرد عليه بقصيدة يسفّه فيها قائله ويذكر أن لبس الخاتم سنة ..

قلت للشَّيْخِ: قرأت أن سماحةَ الشَّيْخِ ابْنِ بَازٍ يرى أن لبس الخاتم ليس بسنة، فقال: نعم، ليس لبسه سنة.

4 ـ قالَ الشَّيخُُ: أكثرت في الآونة الأخيرة من كتابة المقدمات لطلبة العلم، أكثرت، وليس للعالم أن يبتذل قلمه هكذا، لا بد للعالم من أن يصون قلمه، لابد للعالم من أن يصون قلمه ..

فقلت له: إن العقاد قلما قدم كتاباً، لكنه إن قدم لكتاب فإنه لا يذكر صاحب الكتاب بكلمة في الغالب، وإنما يتكلم على موضوع الكتاب ويطيل ويستدرك، لذا ربما كانت مقدمته أعلى قيمة من الكتاب فأضرت بمؤلفه، فابتسم الشَّيْخ وقال: والله جيد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير