تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[كلمة في التاريخ .. " الشخصية التاريخية "]

ـ[أبومالك المصرى]ــــــــ[29 - 09 - 09, 11:00 م]ـ

الخط صغير

ـ[أبومالك المصرى]ــــــــ[29 - 09 - 09, 11:04 م]ـ

[كلمة في التاريخ .. " الشخصية التاريخية "]

بقلم: بهجت عبد الغني عبدالله - العراق

إنه لا قيمة للتاريخ عندما نتاوله تناولاً ميتاً، سرداً مملاً جافاً، وتجميعاً للنصوص من بطون الكتب .. تجميعاً فقط .. بعيداً عن الواقع، ومن غير إسقاطه على ساحته لاستخلاص الفائدة منه، وتجاوز أخطائه، وفهم دروسه وعبره ..

ومن ذلك تناولنا للشخصية التاريخية، فإننا نقع كثيراً في الأخطاء عندما نحاول تصوير الشخصية التاريخية تصويراً مجرداً .. مجرداً من بيئتها .. مجرداً من الظروف التي تحيط بها .. مجرداً من الحالات التي تعتري البشر .. مجرداً من تحليلاتها وفهمها للواقع والأحداث .. مجرداً من اجتهادها .. وكأن الشخصية هي عنصر فرد ومستقل عما حوله.

فبذلك نصدر على هذه الشخصية أو تلك حكماً سريعاً دون الإلمام بكثير من العوامل التي ترتبط بها .. العوامل التي تتأثر بها أو تؤثر هي فيها ..

ومن ثم فان الكلام عن شخصية تاريخية ما من غير الغوص في أعماقها وأعماق واقعها، من غير قتل لواقعها بحثاً وتحليلاً .. هذا الكلام يعتبر ناقصاً أبتر، ولربما يتحول فقط إلى تهم وأكاذيب وقصص تنسج حول الشخصية لا تمت بصلة إلى الواقع في شيء، لأن التاريخ لا يقف عند الظواهر فقط، بل يتعدى ذلك إلى الباطن حيث تكمن القوى الداخلية ..

ولأن التاريخ ـ كما يقول سيد قطب ـ ليس هو الحوادث، إنما هو تفسير هذه الحوادث، واهتداء إلى الروابط الظاهرة والخفية التي تجمع بين شتاتها، وتجعل منها وحدة واحدة متماسكة الحلقات، متفاعلةالجزئيات، ممتدة مع الزمن والبيئة امتداد الكائن الحي في الزمان والمكان (1).

فيا ترى .. كم من الأخطاء ارتكبنا، لعدم معرفتنا الطريقة الصحيحة لدراسة التاريخ أو كتابته؟ وكم من الشخصيات ظلمنا عبر التاريخ؟ لا لشيء، سوى لسوء فهم.

فلو أخذنا مثلاً في تاريخنا الإسلامي، ما وقع بين أمير المؤمنين علي ومعاوية (رضي الله عنهما)، من مواقف وحروب وأزمات، لرأينا مجالاً واسعاً وفسيحاً للطعن والاتهام واللعن .. لماذا؟

لأننا لم نعرف كيف نتناول التاريخ دراسة وتحليلاً، بل أخذنا الغث والسمين مما كتب .. هكذا .. كما هو، فيعني كتابة التاريخ حينها ببساطة أن تصفّ أمامك مجموعة من الكتب والمصنفات، ثم تأخذ من كلٍ فقرة، وتثبت على الهامش المصادر، ثم السلام ..

إن هؤلاء الكتّاب كمن يحكم على مباراة لكرة القدم، ولكن وهو جالس على المدرجات .. وما أسهل الحكم من المدرجات .. بل ينبغي للكاتب أن يقتحم صميم الأحداث، وأن يعيش مع الشخصيات بشعوره ووجدانه وفكره وخياله، وأن لا يقف هناك بعيداً خارج الأسوار ينظر، بل لا بد من تجاوز الجدار المنظور القاتم الذي يفصلنا عن تاريخنا الحقيقي، ويحصرنا في زاوية ضيقة حرجة ..

ولذلك فإن تاريخنا الإسلامي بحاجة ماسة إلى طبقة جديدة من المؤرخين، يعيدون تحليل هذا التاريخ وعرضه بكل حيويته وتدفقه، وعناصره الظاهرة والباطنة، مما سيتيح بلا شك، فهماً أعمق لهذا التاريخ (2).

وإذا وقفنا عند موقف تحدث القرآن الكريم عنه، لاكتشفنا أن الشخصية لا تتأتى تصرفاتها وأفعالها وأقوالها من فراغ .. وهي قصة نوح (عليه السلام) .. ودعنا نتساءل: ماذا لو أننا قرأنا السورة من الآية التي يدعو فيها نوح (عليه السلام) على قومه بالعذاب والهلاك؟ (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)).

لماذا يدعو نوح (عليه السلام) بهذا الدعاء على قومه؟ أليس هذا الدعاء فيه شدة وقسوة؟ ثم أليس من واجب الأنبياء دعوة الناس إلى التوحيد والإيمان وليس الدعاء عليهم بالعذاب والهلاك والدمار؟ ..

إن كل هذه التساؤلات تقفز إلى الذهن عندما لا نقرأ قصة نوح (عليه السلام) من البداية .. ولا ندرس أخلاق قومه وطبائعهم .. ولا نقف عند دعوة نوح (عليه السلام) لهم .. ومدى المعاناة والصعوبات التي واجهته في هذه الدعوة ..

إن الدارس الحقيقي لا يسأل لماذا دعا نوح (عليه السلام) على قومه، بل يكون سؤاله ما هي الأسباب التي أدت إلى هذه الدعوة؟ ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير