تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تحكيم الشرعية في الدولة العباسية للدكتور الصلابي]

ـ[عبدالإله العباسي]ــــــــ[12 - 12 - 09, 02:10 م]ـ

تحكيم الشرعية في الدولة العباسية

د. علي محمد الصلابي

اهتم العباسيون بالشريعة الإسلامية منذ أن كانوا تنظيماً سرياً، ومن أهم مبادئ وشعارات الدعوة العباسية التي رفعتها ونادت بها:

1. الدعوة إلى الإصلاح:

لقد رفع العباسيون شعار الدعوة إلى الإصلاح، والتمسك بالكتاب والسنة، والمساواة بين الشعوب، وإنصاف الشعوب التي أسلمت واندمجت في الحضارة الإسلامية، وهذه الشعارات تُعدّ من صميم أهداف الشريعة الإسلامية، وتدل على معنى خاص في ديننا، وهو عدم التفرقة بين الناس بحسب ألوانهم أو دمائهم أو تاريخهم، وبيان أن أكرم الناس عند الله أتقاهم. وقد تمسك العباسيون بهذا المبدأ، وشنعوا به على بني أمية، وزعموا في حملتهم الدعائية أنهم (بني أمية) انحرفوا عن هذا المبدأ الإسلامي الأصيل وحاولوا أن يبينوا للناس أن قضيتهم هي قضية جهاد الحق ضد الباطل.

2. المرجعية الشرعية للدعوة العباسية:

تعتبر مدرسة عبد الله بن عباس المكية هي المرجعية الحركية والشرعية لهم، فقد اهتم ابنه علي بن عبد الله بن العباس بتراث أبيه وعلومه، وقد ألزم ابنه محمداً وهو من زعماء الدعوة العباسية أصحاب جده ابن عباس، حتى تعلم وفقه وجلس يوماً يفتي في المسجد الحرام بمثل فتيا جده، وقد أبهرت فتواه سعيد بن جبير -رضي الله عنه- حين سمعه فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني رجلاً من ولد ابن عباس يفتي بفتواه. والمعلوم لدى الباحثين أن عبد الله بن عباس تقدم في التفسير بسبب عوامل متعددة منها: دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالفقه في الدين والعمل بالتأويل، وكذلك قرب منزلته من عمر -رضي الله عنه-، والأخذ عن كبار الصحابة، وقوة الاجتهاد، وقدرته على الاستنباط، قدرات ابن عباس التربوية والتعليمية، ورحلاته وأسفاره ووفاته، وكان ابن عباس من علماء المدرسة المكية، وقد تميزت هذه المدرسة من بين المدارس بكثرة تناولها للآيات وتفسيرها، وساهمت مساهمة قيمة في الإبانة عن كثير من المعاني التي يحتاج إليها، ويرجع ذلك لأسباب عديدة منها: إمامة ابن عباس للمدرسة، الأثر المكاني للمدرسة كونها بمكة، وكثرة رحلاتهم وأسفارهم، وحرصهم على نشر علمهم، والتصنيف والتدوين المبكر لآثار المدرسة.

3. من رسائل محمد علي العباسي إلى أتباعه:

سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلاّ هو، وأشهد أن الله يبدئ الخلق ثم يعيده، وهو أهون عليه، وله المثل الأعلى في السموات والأرض، وهو العزيز الحكيم فتبارك ذو الفضل العظيم أما بعد: فإني أوصيكم بتقوى الله الذي لا يزيد في ملكه من أطاعه، ولا ينقص في ملكه من عصاه، بيده الملك، ويبقى ملكه وهو عزيز ذو انتقام، وتمسكوا بصالح الذي عاهدتم الله عليه، وأدوا الأمانة فيما أمركم به، (واعتصموا بحبل الله جميعاً)، وخذوا بحظكم منه، واشكروا لله الذي أسبغ لكم من سوابغ نعمه، اعتبروا ما بقي بما سلف، وإنما ضرب لكم أمثال ما مضى من الأمم لتعقلوا عن الله أمره بأنكم قد رأيتم من الدنيا وتصرفها بأهلها إلى ما صار من مضى منهم، وخير ما يعيب الناس فيما بقي من الدنيا .. ثم اعلموا علماً يقيناً أن لأهل ولاية الله منازل معروفة كأنما ينظرون فيما أعطاهم الله من اليقين إلى عواقب الأمور ومستقرها، لا تصدقوا كذباً، ولا تجمعوا خبيثاً، ولا تخالفوا تقيا، ولا تحتقروا يتيماً صغيراً، ولا تنتهكوا ذمة، ولا تفسدوا أرضاً، ولا تقطعوا رحماً، ولا تعصوا إماماً، وأحسنوا مؤازرتهم، وصيانة أمرهم، أعينوهم إذا شاهدتم، انصحوا لهم إذا رغبتم، اعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق التقوى لزوم حقه، وخير الملل ملة إبراهيم، وأفضل السنن سنة محمد -صلى الله عليه وسلم- وأعظم الضلالة بعد هدى. ونفس تناجيها بتقوى الله خير من نفس أمارة بالسوء، فاتقوا الله، ولا تكونوا أشباهاً للجناة الذين لم يتفقهوا في الدين، ولم يعطوا الله باليقين، وأن الله أنزل عليكم كتاباً واضحاً ناطقاً محفوظاً قد فصل فيه آياته، وأحكم فيه تبيانه، وبين لكم حلاله وحرامه، وأمركم أن تتخذوا ما فيه، فاتخذوه إماماً وليكنْ لكم قائداً دليلاً فعليكم به، ولا تؤثروا عليه غيره، فإن الله بين لكم ما تأتون وما تتقون، فقال لنبي الرحمة (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن). [الأعراف: آية 33]. وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم (قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) [الأعراف:29]. أسال الله أن يجعلنا وإياكم مهتدين غير مرتابين والسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

وقال في رسالة ثانية بعد أن تبرأ وحذر من خداش أحد المنحرفين عن الكتاب والسنة والدعوة العباسية جاء في الرسالة: أما بعد عهدنا الله وإياكم بطاعته، وهدانا وإياكم بطاعته سبيل الراشدين، فقد كنت أعلمت إخوانكم رأيي في خداش، وأمرتهم أن يبلغوكم قولي فيه، وإني أشهد الله الذي يحفظ ما تلفظ به العباد زكي القول وخبيثه وإني بريء من خداش، وممن كان على رأيه ودان بدينه، وآمركم ألاّ تقبلوا من أحد ممن أتاكم عني قولاً، ولا رسالة خالفت فيها كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

4. أخذ البيعة:

عندما أعلن العباسيون الثورة على الأمويين أخذوا البيعة من الناس على مبادئهم، والتي كانت العمل بالكتاب والسنة، وتحقيق العدل، ورفع الظلم، والمساواة بين المسلمين، وإنصاف المستضعفين، والبيعة للرضا من آل محمد. وعندما خطب داود بن علي عم العباس في أهل الكوفة خطبة جاء فيها: فلكم علينا ذمة الله وذمة رسوله وذمة العباس أن نحكم فيكم بما أنزل الله، ونعمل بكتاب الله، ونسير في العامة منكم والخاصة سيرة رسول الله .. وليس معنى هذا أن العباسيين التزموا بأحكام الله تامة وإنما مرجعية الدولة ودستورها هو الإسلام، وحدث ضمور في الفقه السياسي المتعلق باختيار الخليفة؛ إذ جعلوها وراثية في بني العباس، إلاّ أن تحكيم الشريعة في باقي مناحي الحياة كان حاضراً، والدليل على ذلك ظهور المدارس الفقهية الأربعة وكتابة كتب الحديث التي كانت في العهد العباسي.

يتبع ...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير