تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[موقف القبائل البدوية من قافلة الحج الشامي والخط الحديدي الحجازي]

ـ[أبو سليمان العسيلي]ــــــــ[05 - 09 - 09, 11:59 م]ـ

موقف القبائل البدوية من قافلة الحج الشامي والخط الحديدي الحجازي في القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين

د. ابراهيم فاعور الشرعة

شهدت الفترة الواقعة ما بين القرن السادس عشر وأواسط القرن الثامن عشر صراعاً مريراً بين القبائل البدوية (الشامية والحجازية) والدولة العثمانية، تمثل ذلك الصراع في حالات كثيرة حول حماية قافلة الحج الشامي من اعتداءات هذه القبائل، حيث تكررت تلك الاعتداءات على القافلة مرات عدة؛ بسبب الخلاف ما بين أمراء القافلة وزعماء القبائل فيما يتعلق بالأموال "الصّرة" (1) التي كانت تدفع للبدو من السلطات العثمانية، وحرمان البدو من نقل المؤن وتقديم الحماية وبعض الخدمات للحجاج في المنطقة الواقعة ما بين دمشق والأماكن المقدسة (2). ولكن الأمور تغيرت ما بين الدولة العثمانية والقبائل البدوية في الحقب اللاحقة، فابتداءً من القرن التاسع عشر خفّت اعتداءات القبائل على القافلة؛ إذ زاد اهتمام الدولة العثمانية بالقافلة؛ فقلت هجمات البدو على الحجاج، نتيجة لسياسة الدولة التي قامت على كسب ودّ القبائل والاستفادة منهم في نقل الحجاج، وبناءً على ذلك توطدت العلاقة بين الطرفين، بعد أن كانت علاقة عدائية في أغلب الأوقات؛ فمن خلال ما أورده الرحالة الأجنبي لورنس أوليفانت ( Laurence Olyphant) عن قبيلة بني صخر (3)، وتبنيها مسألة تقديم الجمال إلى والي دمشق لنقل الحجاج مقابل أجرة معينة (4)، يتضح لنا أن الدولة بدأت تهادن القبائل البدوية التي لها تماس مع طريق الحج كبني صخر مثلاً.

إن سياسة الدولة العثمانية في التعامل مع القبائل البدوية أملتها نتائج حادثة عام 1757 - 1758م (1171هـ) الشهيرة (5)؛ لذلك كلفت الدولة بعض القبائل مهمة نقل الحجاج والمؤن، ففي عام 1804م (1219هـ) بعث والي دمشق وقائد (سر عسكر) الجيش فيها أمير الحج إبراهيم باشا إلى قائمقام القدس حوالة مالية بقيمة (32,000) قرش، وأن يتم الإسراع لتسليمها إلى شيخ بني صخر عواد الفايز "مفخر المشايخ الموقرين"، مقابل أن يتعهد بنقل (1,000) حمل شعير إلى قلعة معان (6)، في موعد خروج القافلة من دمشق (7).

ومما يؤكد تطور العلاقة بين الدولة العثمانية والقبائل البدوية في المنطقة، خاصة قبيلة بني صخر، ما حدث من تعاون بين الطرفين للتصدي لقوات الإمام سعود بن عبدالعزيز - رحمه الله - التي توجهت في عام 1809م (1225هـ) نحو الشام، فقدّم كل من: الشيخ سعد القعدان الفايز والشيخ فهيد - وكلاهما من زعماء بني صخر - المساعدة لقوات والي دمشق، وأرسلا مجموعة من المحاربين إلى طبريا، انضمت إلى القوات المرسلة من قبل والي عكا سليمان باشا العادل؛ إذ كان لهذا التعاون أثر في تراجع قوات الإمام سعود (8). وتحسنت علاقة الدولة مع قبيلة عنزة أيضاً (9)، التي كانت تعتمد عليها في تقديم آلاف الجمال للحجاج، مقابل أجور معينة وهبات لبعض شيوخها، بالإضافة إلى ما كان يقدّمه والي دمشق من أموال لهذه القبيلة في بعض مواسم الحج التي يكون مردودها ضعيفاً، كتعويض نتيجة لخسائرها الاقتصادية (10).

ولحظ بعض الرحالة الأجانب الذين زاروا المنطقة، مثل: بيركهاردت ( Burckhardt)، أن بعض العشائر البدوية، وبالذات التي كانت تستقر في جنوب منطقة شرقي الأردن، كانت تسهم بنقل الحجاج وتقديم المؤن، كاللياثنة في وادي موسى، الذين كانوا يحملون المؤن التابعة للقافلة عند وصول الحجاج إلى معان باتجاه الأماكن المقدسة، وبعض هذه العشائر؛ كالعلاوين، والعمران، والحيوات القاطنة بالقرب من العقبة، كانت تفرض "الأتاوات" على الحجاج بصورة دائمة؛ بسبب مرور القافلة عبر مناطقهم، ولكن في بعض الأحيان كان يتم سلب الحجاج من قبل هذه العشائر (11)، وبخاصة عندما تتدهور علاقتها مع الدولة العثمانية، ولا تحصل على الصرة السلطانية. وهناك عشائر كالعمران (آل عمران)، الذين يرتبطون مع الحويطات بحلف، كانت تشكل مصدر إزعاج للحجاج عند مرورهم بأراضيها؛ ففي عام 1815م (1230هـ)، هاجم العمران القافلة، ونهبوا سراياها المتقدمة أثناء مرورها في منطقتهم عندما كانت القافلة في طريقها من المدينة المنورة إلى دمشق (12).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير