ومررت يوما بجانب بيته فرأيت بعض طلبة العلم قائما فسألته ماذا تنتظر فقال اريد الشيخ أخبرته أنني قادم على زواج فاردت أن يساعدني بينما أنا اكلمه ناداه الشيخ إلى فناء بيته فلما خرج سألته قال اعطاني مبلغا من المال وقال لايملك غيره ووعدني أن يعطيني كذلك مرة أخرى ثم جاء الطالب نفسه مرة أخرى واعطاه ما وعده فرحم الله أبا عبد الرحمن.
وكان إذا خرج من الدرس بعد الظهر وجاء أحد يسئله عن سؤال قال له أدخل نتغدى ثم نتكلم
ومرة قدم له بعض طلبة العلم ورقة في أحد الدروس مكتوب فيها: أنا طالب علم وأحب العلم وعليّ دين واخشى أن يصرفني عن طلب العلم وبعد ما قرءها الشيخ أخذ يدرس وقبل الإنتهاء من الدرس قال: في مكبر الصوت الأخ الذي قدم الورقة يذهب إلى الأخ فلان ويقول له كم دينه وننظر هل نستطيع مساعدته.
ومرة دخلت أنا وبعض طلبة العلم عليه بعد صلاة الفجر إلى منزله وكان معنا طالب وكنا حريصين على تزويج هذا الطالب فقلنا للشيخ كلمه يا شيخ فقال الشيخ: يا بني تزوج وإذا كان المال هو العائق لك عن الزواج فمني لك كذا وكذا من المال. فجزا الله أبا عبد الرحمن خيراً.
وكان عزيز النفس عفيفاً
وكان أبو عبد الرحمن عفيفاً عنده عزة نفس حتى إن من عزة نفسه أنه كان يتحرج من أن يكتب لأهل الخير بما يخص طلبته فعلم بذلك الشيخ عبد العزيز بن باز فكتب إليه يا أبا عبدالرحمن اكتب وأنت مأجور وإذا أتته الأموال لطلبته العلم مباشرة يحيلها إلى المسؤول عن شؤون الطلاب وكان أبو عبدالرحمن رحمه الله على هذه الخصلة الطيبة من بداية أمره.
فقد حدثنا مرة أنه عندما كان يتعلم في جامع الهادي كان يبقى معه شيء من الخبز فيضعه في فتحة في الجدار يقال لها الخزانة فيأتي يوم من الأيام لا يجد أكلاً فيأتي لها قال فأدخل يدي ورأسي أبحث عنها ثم أخرجها وقد نسج عليها العنكبوت فأميط عنها التراب فأجدها قد يبست فابلها بالماء ثم إن وجدت حبة من الطماطم فأمر طيب وإلا أكلتها.
وقد عود أبو عبد الرحمن طلبته على هذه الخصلة الطيبة (2) ودرسهم في كتابه ذم المسألة وكان يذم من يذهب يتسول باسم الدعوة ويحذر منه قال في مقدمة كتابه السالف ذكره: أما بعد فإني لما رأيت أقوماً ممن يزعمون أنهم دعاة إلى الله تخصصوا للتسول وتركوا الاحتراف (3) فرب زراع يأكل أكلاً حلالاً من كسب يده بل عمله من أفضل القربات فقد روى البخاري ومسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة.
ورب شخص يعمل في التجارة وهي أيضاً من أفضل القربات وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي الكسب أطيب قال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور.
بل ربما يكون الرجل بدوياً يأكل مما تنتجه غنمه وإبله فيرى المتسولين يفتحون المعارض ويبنون العمائر فيعفوا لحيته ويتشبه بالدعاة إلى الله ويحترف التسول أف لها من وضيفة مشينة مزرية .. وأخيراً فإني أنصح لأهل السنة أن يصبروا على الفقر فهي الحال التي اختارها الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
قلت هكذا كان رحمه الله تعالى معلماً وموجهاً ومحذراً لطلبته من أن ينزلقوا هذا المزلق المشين. وبعد هذا فأبوا عبد الرحمن لا يريد بهذا الكلام أن طلبة العلم يتركون العلم ويذهبون للتجارة (4) كلا وإنما يريد أبو عبد الرحمن أن يوجه أهل السنة إلى أن أكل اليد خير من أن يذهب الإنسان يمد يده وأن عليهم أن يصبروا على الفقر فقد رضيه الله لنبيه فرحم الله أبا عبد الرحمن وأسكنه فسيح جناته.
صبره
أما صبر أبي عبد الرحمن رحمه الله فلا أعرف أحداً يماثله في زماننا فقد صبر على أمراض عدة منها مرض الاستسقا الذي مكث سنوات وهو يعاني منه لكنه يصبر ويحتسب الأجر على الله ومرض الكبد فقد تفتت كبده بسبب مرض السرطان ومع هذا كان صابراً محتسباً والعجيب أنه مع هذه الأمراض كان لا يترك الدروس فقد قال أخونا أحمد الوصابي حفظه الله تعالى أنه دخل مرة على الشيخ وكان مريضاً مرضاً شديداً فأراد أن يخرج يلقي دروسه فقال له أخونا أحمد يا شيخ أنت متعب يقوم بالدروس غيرك فأجابه قائلاً: لا والله لا أترك هذه الوجوه الطيبة.
ورأيته مرة خرج من بيته يلقي الدروس ويده مربوطة إلى عنقه وعليها جبيرة فسألت إخواني
¥