ثم روى الخطيب رحمه الله عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تعالى " وكان تحته كنز لهما " قال اختلف أهل التأويل في ذلك الكنز فقال بعضهم كان صحفا فيها علم مدفون وقالوا ما كان ذلك ذهبا ولا فضة قال صحفا وعلما , وعلق الحسن بن صالح على ذلك: " و أي كنز أفضل من العلم ".
الذي أريد أن أقول فيه القول وأدلي فيه بدلوي مع فضيلة الدكتور هو العلاقة بين طالب العلم والكتب القديمة. أو الكتب في طباعتها الأولى فكلنا يعلم أن الثورة الطباعية لنشر الكتب في عالمنا الإسلامي والعربي إنما كان قبل قرن ونصف تقريبا , أنا لا أريد بداية الطباعة ولكن أريد الانفجار الطباعي الذي قام في منتصف القرن السالف والذي قام بهذا العمل الطباعي وقام على نشر تلك الكتب وتصحيحها في ذلك الزمان علماء كبار بل كانوا من فحول العلماء. لهم نصيب في نشر العلم ولهم مصنفات وكانوا علماء في اللغة والفقه والأصول. كان في مصر مثلا الشيخ محمد العدوي , والشيخ طه محمود , والشيخ نصر الهوريني , والشيخ إبراهيم الدسوقي , والشيخ إبراهيم الفيومي , والشيخ محمد الغمراوي , والشيخ محمد الحسيني , والشيخ محمد البلبيسي , والشيخ سيد بن على المرصفي , وكان في العراق ممن قام على نشر كتب السلف وعلومهم , والشيخ محمد شكري بن عبدالله الألوسي , وفي الشام الشيخ محمد جمال الدين القاسمي. أقول إن هؤلاء العلماء وأضرابهم هم في الحقيقة الذين أخرجوا للناس الكتب ونشروا فيهم آثار السلف في الحديث واللغة والفقه والتاريخ والأدب وغير ذلك من فنون الإسلام , لا يمتري أحد في أن ما أخرج هؤلاء أصح نصاً , فهؤلاء أعلم من غيرهم وأدرى بأساليب المصنفين , لأنهم علماء , وكان الواحد منهم يعكف على الكتاب الواحد سنين عدداً , يدقق ويتحرى ويصحح , هذا " تاج العروس " في طبعته الأولى وأجزائه العشرة الضخام أخرجه رجل واحد , " لسان العرب " بأجزائه العشرين نشره وصححه رجل واحد هو الشيخ محمد الحسيني , " اتحاف السادة المتقين في شرح إحياء علوم الدين " أخرجه الشيخ محمد الزهري الغمراوي , وهو في عشر مجلدات كبار, وهذا " مسند الإمام أحمد " بأجزائه الستة وهو معروف طبعه رجل واحد هو محمد الغمراوي , و" شرح البخاري " للقسطلاني وأجزاؤه عشرة قام بطبعه رجل واحد هو الشيخ إبراهيم الدسوقي , كان من أولئك العلماء المتقدمين من وضع مدرسة تعلم أصول النشر كما فعل الشيخ سيد بن على المرصفي المصري رحمه الله فإنه تخرج لديه في النشر والتحقيق ثلة من كبار العلماء , منهم الشيخ أحمد شاكر, وأخوه الشيخ محمود شاكر, والشيخ محمد محي الدين عبد الحميد , هؤلاء كانوا علماء وهم الذين نشروا فينا العلم في ذلك الزمان وما زلنا نقرأ في كتبهم وفيما أخرجوه لنا , ولكننا مع تقادم الأيام وتجدد معطيات الحضارة , وإعجاب الناس بالجديد , فقد توجه كثير من الناشرين إلى إعادة طباعة تلك الكتب , وربما يكون من أسباب إعادة الطبع قلة تلك الطبعات الأولى أو انعدامها , أما ما أعيد طبعه محققا تحقيقا علميا على أيد عالمة أمينة فلا بأس به. ولكني أتحدث عما طبع مجددا دون تحقيق , أو ما كتب عليه أسماء غير معروفة , بدعوى التحقيق ولا تجدفي تلك الكتب إلا مجرد الحرف الجديد وإلا مجرد اللون البراق للورق , وحدث ما شئت عن الأغلاط والتحريف الأعوج , وضرر ذلك على العلماء وعلى العلم فادح , ولهذا فإنني من على هذا المنبر الكريم, وعبر هذا البرنامج الأمثل أوجه نصيحة لإخواني طلاب العلم وأسترشد بفضيلة الشيخ عبد الكريم في هذا المجال أرشد إخواني أن يعنوا بالطبعات القديمة بالكتب وألا يستدبروها اغترارا بالصف الجديد والورق اللامع , وأنا أذكر الآن أن بعض مشايخنا في الجامعة أيام الطلب في كلية اللغة العربية كانوا يوصوننا باعتماد كتاب سيبوية في طبعة بولاق الأولى دون الرجوع إلى الطبعة المحققة , وذلك لأن طبعة بولاق أصح والذي قام عليها عالم من العلماء السابقين , وكل أو جل ما طبعته مطبعة بولاق هو صحيح بالجملة. وصيتي أيضا إلى الناشرين وأصحاب المطابع بألا يتعجلوا بإعادة طبع أي من الكتب التي طبعت قديما إلا إذا كان في الطبع مزيد فائدة , مثل أن تجمع عدة نسخ في كتاب , أو أن يكون في المطبوع قديما خلل ونقص. وإلا يكن الأمر كذلك فأرى أن يصور الكتاب
¥