ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في الحديث، فإنه قال: ((لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) فإن العبد الذي حاله صار محبوباً للحق محباً له، يتقرب إليه أولاً بالفرائض وهو يحبها، ثم اجتهد في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق. فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة، بحيث ما يحبه محبوبه، ويكره ما يكرهه محبوبه، والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه، فلزم من هذا أن يكره الموت ليزداد من محاب محبوبه. والله سبحانه قد قضى بالموت. فكل ما قضى به فهو يريده ولا بد منه، فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك كاره لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت، فصار الموت مراداً من وجه مكروهاً من وجه وإن كان لا بد من ترجح أحد الجانبين، كما ترجح إرادة الموت، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده. وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته)).
وقال في مكان آخر (10/ 58 - 59):
((فبين سبحانه أنه يتردد، لأن التردد تعارض إرادتين، فهو سبحانه يحب ما يحب عبده، ويكره ما يكرهه، وهو يكره الموت، فهو يكرهه كما قال: ((وأنا أكره مساءته)) وهو سبحانه قد قضى بالموت فهو يريد أن يموت، فسمى ذلك ترددا. ثم بين أنه لا بد من وقوع ذلك)).
الرد على القول بعصمة آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم
1904 - (الشاهد يرى ما لا يرى الغائب).
أخرجه أحمد (1/ 83) وعنه الضياء في ((المختارة)) (1/ 248) والبخاري في ((التاريخ)) (1/ 1/177) عن يحيى بن سعيد عن سفيان، ثنا محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن علي رضي الله عنه قال:
قلت: يا رسول الله إذا بعثتني أكون كالسكة المحماة، أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ قال: فذكره.
وخالفه أبو نعيم فقال: نا سفيان به، إلا أنه زاد: ((عن أبيه عن علي)).
أخرجه الضياء (1/ 233) وقال:
((رواه إسحاق بن راهويه في ((مسنده)) عن أبي نعيم)).
لكن أخرجه أبو نعيم في ((الحلية)) (7/ 92): حدثنا سليمان بن أحمد (هو الطبراني): ثنا علي بن عبد العزيز: ثنا أبو نعيم: ثنا سفيان به دون الزيادة، ولذلك قال أبو نعيم عقبه:
((رواه عصام بن يزيد: جبر، فوصله)).سم أسنده من طريين عن محمد بن يحيى بن منده: ثنا محمد بن عصام بن يزيد عن أبيه عن سفيان عن محمد بن عمر بن علي عمن حدثه عن علي قال:
((بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن نسيب لأم إبراهيم شيء، فدفع إلى السيف، فقال: اذهب فاقتله، فانتهيت إليه، فإذا هو فوق نخلة، فلما رآني عرف، ووقع، ألقي ثوبه، فإذا هو أجب، فكففت عنه، فقال: أحسنت)). وقال:
((جوده محمد بن إسحاق وسماه)).
ثم ساق هنا مختصراً وفي ((3/ 177/178) بتمامه من طريق يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن محمد بن علي بن الحنفية عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال:
((أُكِثَر على مارية أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم في قبطي-ابن عم لها- كان يزورها ويختلف إليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي: خذ هذا السيف فانطلق إليه، فإن وجدته عندها فاقتله. فقلت: يا رسول الله أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة لا يثنيني شيء حتى أمضي لما أرسلتني به، أو الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ قال: (فذكره)، فأقبلت متوشحا السيف فوجدته عندها، فاخترطت السيف، فلما أقبلت نحوه عرف أني أريده، فأتى نخلة فرقى فيهان ثم رمى بنفسه على قفاه، وشَفَرَ برجليه، فإذا هو أجب أمسَح، ما له ما للرجال، قليل ولا كثير، فأغمدت سيفي، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتهن فقال: الحمد لله الذي يصرف عنا أهل البيت)). وقال:
((هذا غريب لا يعرف مسنداً بهذا السياق إلا من حديث محمد بن إسحاق)).
قلت: ومن هذا الوجه أخرجه البخاري في ((التاريخ)) وأبو عبد الله بن منده في (معرفة الصحابة)) (42/ 531) وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (1/ 232/1) والضياء في ((المختارة)) (1/ 247) وصرح البخاري وابن منده بتحديث ابن إسحاق، فزالت شبهة تدليسه، وسائر رجاله ثقات، فهو إسناد متصل جيد.
وروى الخطيب في ((التاريخ)) (3/ 64) من هذا الوجه حديث الترجمة فقط دون القصة.
وقد وجدت له شاهداً، يرويه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب وعقيل عن الزهري عن أنس مرفوعاً به.
¥