فيرى شوارزنبرجر: أنَّ الدولة إنَّما تكون مسؤولة عن تصرفات أعضائها الحكوميين، ولكنَّها غير مسؤولة عن التصرفات التي تصدر من أشخاصٍ غير رسميين؛ وأنَّ المقاطعة التي تنظِّمها المؤسسات والتنظيمات الخاصّة في الدولة الديمقراطية ما لم تشجعها الدولة، أو أن يؤدي ذلك إلى قطع العلاقات ونقض الاتفاقيات التجارية مع الدول التي خضعت صادراتها للمقاطعة.
ويرى لوترباخت: أنَّه من الصعب تحديد الأسس التي تقوم عليها المسؤولية الدولية عند عدم وجود اتفاقية تجارية، أو عند عدم مخالفة قواعد القانون الدولي الخاصّة بحماية أرواح الأجانب وممتلكاتهم، وأنَّ من الصعوبة أيضاً أنَّ نحدد كيف يمكن أن تكون الدولة مسؤولة مسؤولية دولية بسبب المقاطعة الأهلية المفروضة على بلد آخر.
يقول جيرهارد فان غلان: في بيان موقف القانون الدولي من المقاطعة الشعبية: ما دام هذا العمل يتم بصورة طوعية ولا يشتمل على أي ضغط أو إلحاح من الحكومة، أو على أيِّ إجراء رسمي لدعمه، فإنَّ المقاطعة لا تُشكِّل مسؤولية على الدولة، وتبقى خارج نطاق القانون الدولي.
لكن إذا تورطت حكومة الدولة المُتَضَرِّرة في المقاطعة بأي شكل من الأشكال؛ فإنَّ ذلك التورّط يخلق مسؤولية، ويُمثِّل وسيلة للمساعدة الذاتية، وإذا لم تكن الدولة المقصودة بالمقاطعة قد ارتكبت أيّ عمل عدائي نحو الدّولة التي أعلنت المقاطعة، اعتبر ذلك العمل (المقاطعة) عملاً غير ودِّيٍّ، وأثار احتمال احتجاجات شرعية من جانب الدولة التي يتأثر رعاياها بالمقاطعة ".
بل إنَّ في القوانين والأعراف الدولية ما يسند المقاطعة الشعبية؛
كما يقول قطب العربي: (فالمتفحص لحقوق المستهلك كما أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 248/ 39 الصادر في 9 إبريل 1985، يجد أن أبرزها هو الحق في الاختيار؛ أي الحق في أن يكون المواطن قادرًا على الاختيار في مجال المنتجات والخدمات المقدمة بأسعار تنافسية، مع تأمين درجة الجودة الكافية، ولم تقيد الأمم المتحدة هذا الحق بأي قيود سياسية، ويترتب على ذلك أنه يجوز للمستهلك بداهة أن يختار - على سبيل المثال- السلع الوطنية تدعيما لاقتصاد الدولة التي ينتمي إليها، وبالتالي فيكون له الحق في مقاطعة أي سلعة).
ومن هنا يرى قطب العربي: أنَّ هذا الموقف الأوربي يعتمد على قانون القوة و (العين الحمراء)، وليس قوانين منظمة التجارة؛ فالمقاطعة التي تجري الآن هي مقاطعة شعبية، والمجمعات الاستهلاكية والمحلات التي تلتزم بها هي هيئات أهلية تعاونية، وليست وزارات حكومية، ولا تتبع حتى هذه الوزارات، حتى تشرع أوربا سلاح منظمة التجارة في وجهها.
كما أنَّ الحكومات العربية والإسلامية لم تعلن المقاطعة بشكل رسمي، وإن كان الكثير منها أخذ مواقف سياسية تفرضها عليه التزاماته الدينية والأخلاقية، وتسمح بها الأعراف والقوانين الدولية.
وفي هذا الإطار، فإنَّ المستهلك العربي والمسلم، حينما يقاطع السلع الدانماركية فهو يمارس حقه في الاختيار، وهو لا يتعارض مع التزام دولته بفتح أسواقها أمام المنتجات الأجنبية دون تمييز ضد هذه الأخيرة.
ومن جهة السوابق في السياسة الدولية، نجد المقاطعة الصينية الشعبية لليابان عام 1931م، ومع أنَّ الحكومة اليابانية قد احتجت على ذلك باعتباره يمثل خرقا للقانون الدولي، وكانت الصين قد أيّدته رسمياً، وحثّت الدول الصديقة لها على تطبيق إجراءات اقتصادية مماثلة ضد اليابان، وردت الحكومة الصينية رسمياً بأنّ الأعمال السابقة التي قامت بها السلطات اليابانية تشكل خرقا أكثر خطورة لذلك القانون، ومع ذلك قرّرت لجنة التسعة عشر التي شكلتها عصبة الأمم لدراسة تقرير لجنة لايتون (التي حققت في ملابسات غزو اليابان لمنشوريا) أنَّ المقاطعة الاقتصادية تمثِّل عملاً انتقامياً شرعياً (أي قانونيا)، ومع أنَّ الحكومة الأمريكية قد تعرضت لضغوط شديدة من بعض أعضاء مجلس الشيوخ ومن مجموعات خاصّة عديدة، إلا أنَّها لم تتخذ أيّ إجراء رسمي إلى جانب المقاطعة، وأخيراً تولّت منظمات وطنية عديدة أمر المقاطعة ضدّ البضائع اليابانية ثم ضد البضائع الألمانية (ينظر: القانون بين الأمم:2/ 257).
رابعاً: هل للمقاطعة مدة معينة؟
¥