(الحظر الاقتصادي) الذي يعني منع الصادرات المتجهة إلى دولة أو مجموعة دول معينة بصفة كاملة أو جزئية، ومن هنا جاء التفريق بين المقاطعة الاقتصادية الشعبية والرسمية كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ثانياً: أقسام المقاطعة الاقتصادية من جهة مصدرها:
يقسِّم القانونيون المقاطعة الاقتصادية من جهة مصدرها،
إلى ثلاثة أقسام:
الأول: المقاطعة الاقتصادية الأهلية (الشعبية): وهي التي يفرضها ويتولّى تطبيقها الأفراد أو الهيئات غير الرسمية، بدافع من عواطفهم وحماسهم الوطني– مثلاً – فيقرِّروا إيقاف التعامل بالبضائع والمنتجات المستوردة من الدولة المعتدية وإيقاف التصدير إليها، وقد يشمل ذلك الامتناع عن التعامل مع رعاياها، كما يقول بيير رينوفان وغيره.
وأمثلتها كثيرة جداً، فمنها ما سبق ذكره في أول المقال عن مقاطعة الدانمركيين للألمان بسبب الحد من استعمال اللغة الدنمركية في مقاطعة شيلسفسغ، ومنها مقاطعة الشعب الصيني للبضائع الأمريكية عام 1906م، بسبب وضع قيود على هجرة الصينيين واستيطانهم فيها، وقد تكررت من الصينيين ضد اليابان ما يقارب تسع مرات، ومنها مقاطعة الأتراك 1908م للبضائع النمساوية لضمها إقليما بوسنويا، واليونانية عام 1909 - 1910م لتقديمها مساعدات للثوار الكريتين، وكذلك مقاطعة الهنود الوطنيون بقيادة غاندي للمنتجات البريطانية عام 1920م، ومنها مقاطعة الحركة الشعبية الواسعة للمنتجات اليابانية، التي تأسست قبيل الحرب العالمية الثانية؛ وغيرها كثير.
الثاني: المقاطعة الاقتصادية الرسمية (الحكومية): وهي التي يتقرّر فرضها من قبل سلطات الدولة المسؤولة ضد جماعات أو دولة معتدية. وهنا يفرِّق القانونيون بين المقاطعة الرسمية في حال السلم، والمقاطعة الرسمية في حال الحرب، ومن أمثلتها المقاطعة التي فرضتها البلدان العربية على المنتجات الصهيونية في فلسطين المحتلة، تطبيقاً لقرار مجلس جامعة الدول العربية رقم16، الدورة الثانية في 2/ 12/1945م بغرض إعاقة تمكين الصهاينة من تحقيق وطن قومي لهم في فلسطين.
الثالث: المقاطعة الجماعية التي تقرِّرها منظمة دولية: وهي التي تفرضها المنظمات الدولية استناداً إلى ميثاق المنظمة، جزاء على انتهاك الدولة للميثاق، ومن أمثلتها - التي سبقت ازدواجية المعايير والتأثير الأمريكي على قرارات المنظمات الدولية– المقاطعة الاقتصادية التي قررتها الأمم المتحدة على الصين وكوريا الشمالية عام 1951م، وعلى جنوب أفريقيا عام 1962م.
وهذان القسمان الأخيران، لا إشكال في قانونيتهما، وهما محلّ اتفاق على ما يظهر، فيرون أنّ من حقّ الدول المتحاربة اللجوء إلى المقاطعة الاقتصادية وقت الحرب، وإن اختلفوا في تكييفها.
وعلى كل حال فالذي يهمنا هنا هو القسم الأول.
ثالثاً: هل المقاطعة الشعبية تدخل ضمن مسؤولية الدولة التي وقعت فيها؟
شكّك مارسيل سيبر أحد شرّاح القانون الدولي في استقلال المقاطعة الشعبية عن المقاطعة الرسمية، ولكنّ آخرين، من أمثال شوارزنبرجر، ولوترباخت، رفضوا هذا التشكيك، وبيّنوا أنَّ الدولة لا تكون مسؤولة إلا عن تصرفات أعضائها الرسميين، وهذا الرأي يؤيده كثير من القانونيين الدوليين، وتؤكِّده السياسات الدولية، وما صدر فيها من قرارت كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وإن كانت بعض الدول قد منعت المقاطعة الشعبية قانوناً، لكونها كانت قد التزمت سياسة الحياد كما في المرسوم السويسري الصادر عام 1939م الذي منع المواطنين من تبني المقاطعة الاقتصادية ضد دول أجنبية.
ومما يؤكِّد عدم مسؤولية الدولة عن المقاطعة الشعبية التي تصدر من المواطنين ضد المنتجات الأجنبية لدولة ما، بسبب موقفها أو موقف شعبها من قضايا مسيئة إلى الشعب أو الأمة المقاطِعة – أنَّه لا يوجد مستند قانوني دولي يحمِّل الدولة مسؤولية تصرف شعبي سلمي، لم تشارك فيه السلطة الرسمية ولم تدعمه أو تحرض عليه.
¥