1 - " الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ " الأعراف:51
2 - " وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ " العنكبوت:64
وبهذا يصبح مجموع المواضع التي ورد فيها هذان اللفظان معاً، ستة وليس أربعة.
وبعد هذا التوضيح، نأتي إلى الأسباب التي دعت إلى التقديم والتأخير في هذه المواضع. ويحسن هنا التفرقة بين اللعب واللهو.
جاء في المفردات: "لعب: أصل الكلمة اللعاب، وهو البزاق السائل. ويلعب فلان: إذا كان فعله غير قاصد به مقصداً صحيحاً.". أما اللهو فهو: "ما يشغل الإنسان عمّا يعنيه ويهمّه. يُقال: لهوت بكذا .. ولهيت عن كذا: اشتغلت عنه بلهو."
هذا ما ذكره الراغب في تحديد معنى اللعب ومعنى اللهو. والمتأمّل فيهما يجد أنهما غير مترادفين. بل لكل منهما معنى. فاللعب لا يكون إلا فعلاً لم يتحدّد من ورائه قصد مفيد. أما اللهو فقد يكون فعلأً من أفعال النفس غير مصحوب بحركة ويكون حينئذ أقرب إلى معنى الذهول.
قال الزمخشري: " يُقال لمن كان في عمل لا يجدي عليه: إنما أنت لاعب "، وقال في موضع آخر: " يشتغلون بما لا يجدي عليهم "، وقال أبو السعود: "اللعب عمل يثقل النفس ويفترها عما تنتفع به، واللهو صرفها عن الجدّ."
فالفرق إذن أن كل لعب يمكن أن يكون لهواً، وقد ينفرد في الذهول النفسي ولو لم يُصحب بعمل. ويؤيّد تفسير اللهو بهذا المعنى أن القرآن أسنده إلى القلب في قوله تعالى: " مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ " الأنبياء:2 - 3. فإسناد اللهو إلى القلوب دليل على أن اللهو عمل من أعمال النفس، وليس بلازم أن يُصحب بحركات، وإلا لكان لعباً فيما يبدو.
وإذا رجعنا إلى القرآن نفسه في استخدام هاتين المادتين وجدناه كثيراً ما يطلق اللعب على سلوك المخالفين للرسل، من ذلك قوله تعالى:
" وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ " التوبة:65
وقوله تعالى: " فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ " الزخرف:83
وقوله تعالى: " وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ " الأنعام:91
وقوله تعالى: " أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ " الأعراف:98
وقوله تعالى: " بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ " الدخان:9
" فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ " الطور:11 - 12
وقوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ " المائدة:57
وقوله تعالى: " وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ " المائدة:58
بالإضافة إلى الآيات التي ذكرناها أعلاه، والتي جاء فيها لفظي اللعب واللهو معاً.
¥