آخذ هذا الوجه في الاستثناء في آية العذاب. [تصرفت في هذه الجملة إصلاحاً لها، فأرجو أن أكون أصبت إن شاء الله تعالى]. وأما ابن القيم فإنه فيه [هنا سقط، لعله: تابع] ابن تيمية من [أن] الاستثناء فيها على حقيقته، وأنه لا خلود في النار لأهلها من الكفار كما عرفته من أدلة دعواه [وفي نسبة هذا القول إليهما نظر]. وأما قوله إن الاستثناء في الآية كالاستثناء في قوله: {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} فإنها موتة تقدمت على الحياة الأبدية، وكذلك مفارقة الجنة تقدم على خلودهم فيها.
فأقول: الفرق بين الآيتين واضح؛ فإن آية الموتة الأولى وقع المستثنى منه فيها من أحوال الدنيا الواقعة فيها المعلوم نقضها، ولذا كان أحسن الأقوال في هذه الآية – أعني آية: {إلا الموتة الأولى} - أنه من باب التقييد بالمحال، من باب قول شعيب: {وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا}. إذا الآية سيقت لبيان أن أهل الجنة لا يذوقون فيها الموت أصلاً وأنه أمر محال، فعلق بالمحال لتمام التبشير بنعمة الحياة الأبدية. وآية الخلود المستثنى منه فيها من أحوال الآخرة والكون في الجنة، فكيف يقاس ما لم يمض ولم ينقض بما مضى وانقضى، على أنه لا يصح لغة تسمية اللبث في الدنيا وفي البرزخ وفي الموقف خلوداً حتى يخرج من مدة الخلود.
[ويجاب عن الأول أنه ليس قياس غيب على شاهد، ولكن قياس أسلوب لغوي على آخر، وعن الثاني أن الاستثناء منقطع، فلا يلزم عليه أن يسمى اللبث في الدنيا والبرزخ خلوداً، والله أعلم].
وبعد هذا رأيت فخر الدين الرازي وقد تعقب هذا في (مفتاح الغيب) فقال بعد نقله، لفظه:
وأما حمل الاستثناء على حال عمر الدنيا والبرزخ والموقف فبعيد، لأن الاستثناء وقع عن الخلود في النار، ومن المعلوم أن الخلود كيفيات من كيفيا الله (!!) الحصول في النار، فقبل الحصول في النار يمتنع حصول الخلود، وإذا لم يحصل الخلود لم يحصل المستثنى منه، وإذا لم يحصل المستثنى منه امتنع حصول الاستثناء. هذا لفظه.
فهذه الوجوه التي ذكرها ابن القيم في الاستثناء على آية الخلود، مع ما تراه من الأبحاث التي أوردناها في المقام.
9. وقد بقي فيه وجه ذكره جار الله في الكشاف في آية هود، فقال أن الاستثناء:
هو استثناء من الخلود في عذاب النار ومن الخلود في نعيم الجنة. وذلك أن أهل النار لا يخلدون في عذاب النار وحده، بل يعذبون بالزمهرير وبأنواع من العذاب سوى عذاب النار، وبما هو أغلظ منها كلها، وهو سخط الله عليهم وخسؤه لهم وإهانته إياهم. وكذلك أهل الجنة لهم سوى الجنة ما هو أكثر منها وأجل موقعاً منهم، وهو رضوان الله، كما قال الله: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر} ولهم ما يتفضل الله عليهم سوى ثواب الجنة مما لا يعرف كنهه إلا هو. فهو المراد باستثناء. انتهى. [وصححته من الكشاف].
وتعقبه الفخر الرازي في مفاتيح الغيب فقال:
لو كان كذلك لوجب أن لا يحصل العذاب بالزمهرير إلا بعد انقضاء مدة السماوات والأرض، والأخبار الصحيحة دالة على أن التنقل من النار وبالعكس يحصل كل يوم مراراً، فبطل هذا الوجه. انتهى كلامه.
قلت [الصنعاني]: ولا يخفى ضعف كلامه [الرازي]. فإن معنى الآية أن أهل النار في النار خالدين فيها مدة دوام السماوات والأرض [إلا] وقت مشيئة ربك عدم خلودهم فيها، فهو إخراج [لـ] وقت مشيئة عدم الخلود من القيد بدوام السموات والأرض، والإخراج من المقيد [الخلود] إخراج منه ومن قيده [مدة بقاء السماوات والأرض] بمعنى إن خرج منه بعد اتصافه بالقيد فالقيد جزء منه، ومعناه أن يخرج من النار إليها إلى غيرها مع بقاء السموات والأرض لا بعد انقضاء مدتها. ثم هذا الذي أورده الرازي لازم لما اختاره في الآية كما ستعرفه.
هذا وقد اعترض كلام الكشاف صاحب الإتحاف فقال:
¥