تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

التشبيه:

لا نقف عند جماعة "المشبهة" الذين لا نراهم الا كما يراهم الناس مجوزين على الحق سبحانه من الاوصاف مايجوزونه على الخلق-تعالى الله عما يصفون-فهذا الصنف من التشبيه الاختيارى فظ مبتذل لا فائدة علمية من ورائه , وانما الذى يعنينا من التشبيه الاختيارى, تشبيه الطف وأخفى من دبيب النمل , يتقمص لباس العلم والتحقيق؛ من مظاهر هذا التشبيه الخفى ان يتكلف الناظرتقديرات وهمية وافتراضات , منها الممكن والممتنع ,كأن يتساءل عما كان بفعل الله عز وجل قبل خلق العالم, أوأن يقول لوخلق الله نفسه, لكانت له بداية فى الزمان.

وأخفى من هذا, ان يتساوى لدى الناظر, من حيث يدرى او لايدرى, أدب الخطاب فى ذات الحق سبحانه وتعالى وأدب الخطاب فى غيره. فلا نكاد نعثر عند بعض النظار ,فى حديثهم عن الذات العلية على شىء من ادوات التعبير التى يحترز بها عادة عن الوقوع فى اساءة الادب مع حضرة القدس, ولا على شىء من عبارات التقديس اللا ئقة بهذا المقام ( ...... )

على أية حال , فالناظر المتبصر لا يجوز لنفسه التمادى فى "التشبيه الاختيارى" , لكن ما حيلته مع "التشبيه الاضطرارى" الذى هو من اللغة بمنزلة "العورة "من البدن , اذ ينشأ عن اللغة من حيث هى لغة, أى نسق من الرموز والبنيات الصورية؟ فهل يحصر الناظر نفسه اذن فى سلب الصفات كأن يقول: "ليس بجسم وليس فى زمان ....... " ويعلن ان الطريق مسدود الى ادراك الحقائق الغيبية جملة وتفصيلا , فبسقط فى التعطيل؟

التعطيل

نعلم ان هذا الاختيارالثانى: اختيار التعطيل, يوقع الناظر فى ما هو محظور شرعا ومحال عقل, مثله فى ذلك كمثله فى الاختيار الذى فر منه, فإذا كان موقف التشبيه ينتهى –والعياذ بالله- الى التسوية بين الخالق والمخلوق, فإن موقف التعطيل يتأدى الى التسوية بين الموجود والمعدوم. "

قال ابن القيم في الصواعق:

هذا فصل بديع لمن تأمله يعلم به أن المتأولين لم يستفيدوا بتأويلهم إلا تعطيل حقائق النصوص والتلاعب بها وانتهاك حرمتها وأنهم لم يتخلصوا مما ظنوه محذورا بل هو لازم لهم فيما فروا إليه كلزومه فيما فروا منه بل قد يقعون فيما هو أعظم محذورا كحال الذين تأولوا نصوص العلو والفوقية والاستواء فرارا من التحيز والحصر ثم قالوا هو في كل مكان بذاته فنزهوه عن استوائه على عرشه ومباينته لخلقه وجعلوه في أجواف البيوت والآبار والأواني والأمكنة التي يرغب عن ذكرها فهؤلاء قدماء الجهمية فلما علم متأخروهم فساد

ذلك قالوا ليس وراء العالم ولا فوق العرش إلا العدم المحض وليس هناك رب يعبد ولا إله يصلى له ويسجد ولا هو أيضا في العالم فجعلوا نسبته إلى العرش كنسبته إلى أخس مكان تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.

وكذلك فعل الذين نفوا القدر السابق تنزيها لله عن مشيئة القبائح وخلقها ونسبوه إلى أن يكون في ملكه ما لا يشاء ويشاء ما لا يكون ولا يقدر على أن يهدي ضالا ولا يضل مهتديا ولا يقلب قلب العاصي إلى الطاعة ولا المطيع إلى المعصية.

وكذلك الذين نزهوه عن أفعاله وقيامها به وجعلوه كالجماد الذي لا يقوم به فعل وكذلك الذين نزهوه عن الكلام القائم به بقدرته ومشيئته وجعلوه كالأبكم الذي لا يقدر أن يتكلم وكذلك الذين نزهوه عن صفات كماله وشبهوه بالناقص الفاقد لها أو بالمعدوم وهذه حال كل مبطل معطل لما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله.

والمقصود أن المتأول يفر من أمر فيقع في نظيره.

مثاله إذا تأول المحبة والرحمة والرضى والغضب والمقت بالإرادة قيل له يلزمك في الإرادة ما لزمك في هذه الصفات كما تقدم تقريره.

وإذا تأمل الوجه بالذات قيل له فيلزمك في الذات ما لزمك في الوجه فإن لفظ الذات يقع على القديم والمحدث كما يقع لفظ الوجه على القديم والمحدث وإذا تأول لفظ اليد بالقدرة فالقدرة يوصف بها الخالق والمخلوق فإن فررت من اليد لأنها تكون للمخلوق ففر من القدرة لأنه يوصف بها وإذا تأول السمع والبصر بالعلم فرارا من التشبيه لزمه ما فر منه في العلم وإذا تأول الفوقية بفوقية القهر لزمه فيها ما فر منه من فوقية الذات فإن القاهر من اتصف بالقوة والغلبة ولا يعقل هذا إلا جسما فإن أثبته العقل غير جسم لم يعجز عن إثبات فوقية الذات لغير جسم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير