تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[البصري]ــــــــ[05 - 04 - 2005, 05:44 م]ـ

هنا تنبيه أردت أن أشير إليها بعيدًا عن إطالة الكلام ومد البساط للردود التي قد لا تجدي شيئًا ما لم تتأصل بعض الأمور في النفوس، ألا وهي أنه قد ظهر اتجاه في هذا الزمان، لا ندري من الذي سوغ لأهله الانطلاق في سبيله، اللهم إلا أن يكون الأعداء هم الذين روجوا له ليوقعوا المسلمين فيما يسخط الله ويغضبه، ويخرجوهم من حدود الشرع المطهر شيئًا فشيئًا، باسم الحرية في الرأي آنًا، وآنًا باسم أنه لا حجر على أحد أن يأخذ بأي قول يريد ما دام في المسألة خلاف، ونحو ذلك مما يروجون له.

لقد ظهر في زماننا من يسمح لنفسه من دون أدنى علم ولا أقل دراية بأن تختار من أقوال العلماء في مسألة ما أيها شاءت، فيعمل بما يوافق هوى نفسه، أو بما يراه الأسهل لها والأيسر عليها، غافلا أو متغافلا عن أن الاختلافات بين العلماء منها ما هو سائغ، ومنها ما هو غير سائغ، وأن ما لم يكن سائغًا، فإنه لا يسع أحدًا أن يعمل به. بل لا تنبغي حكايته إلا في معرض الرد عليه والإبطال له، وقد قيل:

وليس كل خلاف جاء معتبرًا ... إلا خلاف له حظ من النظر

وليس من العلم في شيء، إذا نوقش المرء في مسألة، وبين له فيها قول الجهابذة المتقين من أهل العلم وأصحاب الشأن، أن يرد بأن فلانا ـ ولو كان من غير المتخصصين ـ قد قال بكذا أو كذا أو رأى كذا وكذا، بناء على استحسان مجرد، هداه إليه عقله، أو زينته له نفسه، لم يؤيده فيه دليل من كتاب ولا سنة، ولا قول صحابي أو تابعي.

إننا ـ أيها الأعزاء ونحن مقلدون ـ لسنا بالخيار في كل ما وجدناه من قول، فنأخذ ما نشاء ونترك ما نشاء، بل لقد نص بعض العلماء على أنه ليس من شأن المفتي ـ دع عنك العامي ـ أن يتخير من الأقوال إلا بما يدين الله ـ عز وجل ـ أنه الحق، قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ: ليس للمفتي والعامل في مسألة فيها قولان أو أكثر أن يعمل بما شاء منها بغير نظر، بل عليه العمل بأرجحها. اهـ.

وإن مما يجب أن نتنبه له أن هناك من فسر القرآن بالمأثور المنقول، وهناك من أفسح لنفسه ففتح باب الرأي والمعقول، ومن الأولين: الطبري، وابن كثير، والقرطبي ـ رحمهم الله ـ ومن الآخرين: الرازي ومن كان على شاكلته، وكذلك المفسرون اللغويون، كالزمخشري وأبي السعود وابن عاشور وأمثالهم، ممن اجتهدوا اجتهاد جهابذة في اللغة، لكنهم غفلوا عن كون بعض ما ذهبوا إليه معارض بدليل مأثور، لا يسع أحدًا معه أن يتجرأ ويدلي برأيه.

وأعود ـ إحقاقًا للحق ولئلا أغمط علماءنا حقهم ـ فأقول: إنه وإن كان من ذكرت قد اعتمدوا الرأي في تفسيرهم، فإنه لا ينفي اعتمادهم الرأي المبني على الدليل في الأعم الأغلب، لكنهم قد تذهب بهم تخصصاتهم اللغوية أو العلمية بشتى أنواعها، مذاهب قد لا تتفق وما قرره علماء العقيدة أو الفقه مثلا،، فهل هم معصومون فنأخذ بجميع أقوالهم وننزلق معهم في شطحاتهم وزلاتهم، أم أنهم بشر يصيبون ويخطئون، فما أصابوا فيه أخذنا به وقبلناه، وما أخطؤوا فيه تركناه؛ لأنه خطأ، وأخذنا فيه بقول من هم أعلم منهم بهذا الشأن وأفقه؟ خاصة أن المسألة ليست أبياتًا من الشعر أو عبارات من النثر، يسع اللغوي والبليغ أن يذهب كل مذهب في بيان بلاغتها أو فصاحتها أو ما تحمله من إشارات بلاغية ولفتات جمالية، معتمدًا على ما درسه من مباحث بلاغية يعتقد اللغويون صحتها، بينما يقرر العلماء الراسخون منع وقوع مثلها في كتاب الله، وما قضية وقوع المجاز في القرآن عنا ببعيد، فقد منعها كثير من الراسخين من علماء التفسير، بينما لا يجد اللغويون غضاضة من تقريرها فيما بين أيديهم من نصوص، حتى وإن كانت آيات من القرآن، مما قد يوقعهم في تعطيل هذه النصوص مما أريد منها، وتحريف الكلم عن موضعه، فعل اليهود المغضوب عليهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير