وهذا الاستعمال _كما ترى _ من المجاز اللغوي لأنه اشتمل على تشبيه حذف منه لفظ المشبه،
وأستعير بدله لفظ المشبه به،
وعلى هذا فكل مجاز من هذا النوع يسمى "استعارة" ولما كان المشبه به مصرحاً بذكره سمي هذا المجاز اللغوي، أو هذه الاستعارة "استعارة تصريحية" لأننا قد صرحنا بالمشبه به، وكأنه عين المشبه مبالغة واتساعاً في الكلام.
ب - الاستعارة المكنية وهي ما حذف المشبه به منها ورمز إليه بشيء من لوازمه:
وإذا المنية أنشبت أظفارها ********** ألفيت كل تميمة لا تنفع
شبه المنية بالحيوان المفترس وأبقى شيئا من لوازمه وهو نشب الأظفار.
لا تعجبي يا سلمُ من رجل ******* ضحك المشيب برأسه فبكى
وأظهر من ذلك في الدلالة قوله تعالى: والصُّبح إذا تَنَفَسَ.
فالمستعار منه هو الإنسان،
والمستعار له هو الصبح،
ووجه الشبه هو حركة الإنسان وخروج النور، فكلتاهما حركة دائبة مستمرة، وقد ذكر المشبه وهو الصبح، وحذف المشبه به وهو الإنسان، فعادت الاستعارة مكنية.
ج- الاستعارة التخييلية: وهي أن يستعار لفظ دال على حقيقة خيالية تقدر في الوهم، ثم تردف بذكر المستعار له إيضاحاً لها أو تعريفاً لحالها.
ومثال ذلك من القرآن الكريم كل الآيات التي يتوهم منها التشبيه، أو يتخيل فيها التجسيم تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. فقوله تعالى: بَل يَداهُ مَبسُوطتانِ يُنفقُ كيفَ يشاء ...
وقوله تعالى: ويَبقى وَجهُ رَبّكَ .... وقوله تعالى: خَلَقتُ بيديَّ ....
كلها استعارات تخييلية، إذ تخيل اليد والوجه بالنسبة إليه تعالى إنما يصح على جهة الاستعارة لا الاستعمال الحقيقي، كما أن القرينة المانعة من الحقيقة هي آيات التنزيه.
وقوله إن الحسنات يذهبن السيئات ثم في الدرجة الثانية تمحو الخطيئة لخبر: اتبع السيئة الحسنة تمحها، ثم في الثالثة تطفئ الخطيئة لمقام الحكاية عن المباعدة عن النار فلما وضع الخطيئة موضع النار على الاستعارة المكنية اثبت لها على الاستعارة التخييلية ما يلازم النار من الإطفاء لتكون قرينة مانعة لها عن ارادة الحقيقة.
د- الاستعارة التمثيلية:
وهي المجاز المركب أو اللفظ المركب المستعمل في شبه معناه الأصلي ويكون وجه الشبه فيه منتزعا من أمور متعدده مركبة بحيث تدخل المشبه في جنس المشبه به فتذكر بلفظها بغير تغيير حتى إذا اشتهرت أصبحت مثلا كقولهم للمتردد: أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى.
أيُحِبُّ أحدُكُم أنْ يأكلَ لحمَ أخيهِ ميْتاً فكرهتمُوه، فقد شبهت حال من تناول عرض رجل من أصحابه بالغيبة كحال من شرع في أكل لحم أخيه الميت، بجامع الشناعة والفظاعة المتعلقة في هذين الفعلين.
هـ - الاستعارة التهكمية:
هي ما نُزّل فيها التضاد منزلة التناسب لأجل التهكم والاستهزاء، نحو: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ استعير التبشير (وهو الإخبار بما يسر) للإنذار وهو الإخبار بما يسوء لغرض السخرية.
وقال قوم شعيب له على سبيل السخرية: يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ. شبهوا السفه والغيّ (الذي ظنوه به جهلا) حلما ورشدا.
وهنالك أنواع أخرى قد أوصلها البعض لفوق العشرة من أنواع الاستعارات.
أركان الإستعارة
للإستعارة أركان ثلاثة:
1ـ المستعار منه، وهو المشبّه به.
2 - المستعار له، وهو المشبه، ويقال لهذين: (طرفا الإستعارة).
3 - المستعار، وهو اللفظ المنقول.
ففي (رأيت أسداً يرمي) المستعار منه: الحيوان المفترس، والمستعار له: زيد، والمستعار: لفظ أسد.
أقسام الإستعارة
ثم إنّ الإستعارة تنقسم باعتبار ما يذكر من طرفي الإستعارة إلى ما يلي:
1 ـ أن يذكر في الكلام لفظ المشبه به فقط، ويسمّى: (استعارة تصريحية)، نحو: (فأمطرت لؤلؤاً من نرجس ... ) فاللؤلؤ: الدمع، والنرجس: العين.
2 ـ أن يذكر في الكلام لفظ المشبه فقط، ويؤتى ببعض لوازم المشبه به. ويسمّى: (استعارة بالكناية) وسمي اللازم (استعارة تخييلية) كقوله: (وإذا المنية انشبت أظفارها) فإنه شبّه المنية بالسبع، وأثبت لها بعض لوازم السبع وهو الظفر، فالمنية: استعارة بالكناية، والأظفار: استعارة تخييلية.
¥