2 ـ بعيدة، وهي التي يحتاج الإنتقال فيها إلى اعمال روية وفكر، لوجود الواسطة بينها وبين المطلوب.
فمثال الأول: (طويل النجاد) فإن النجاد حمائل السيف، وطوله يستلزم طول القامة بلا واسطة.
ومثال الثاني: (كثير الرماد) فكثرة الرماد تستلزم الكرم لكن بواسطة، لأنّ كثرة الرماد ملازمة لكثرة الإحراق، وهي ملازمة لكثرة النار والطبخ، وهي ملازمة لكثرة الضيوف، وهي ملازمة للكرم، المقصود
تنقسم الكناية باعتبار اللوازم والسياق إلى أربعة أقسام:
1 ـ التعريض، وهو أن يطلق الكلام ويراد معنى آخر يفهم من السياق تعريضاً بالمخاطب، كقولك للمهذار: (إذا تمّ العقل نقص الكلام).
2 ـ التلويح، وهو أن تكثر الوسائط بدون تعريض، نحو: (كثير الرماد) و (وجبان الكلب) و (مهزول الفصيل).
3 ـ الرمز، وهو أن تقل الوسائط مع خفاء في اللزوم بدون تعريض، كقولهم: (فلان متناسب الأعضاء) كناية عن ذكائه، إذ الذكاء الكثير في الجسم المتناسب، وقولهم: (هو مكتنز اللّحم) كناية عن قوّته وشجاعته.
4 ـ الإيماء وهو أن تقل الوسائط، مع وضوح اللزوم بلا تعريض، كقوله:
الُيمن يتبع ظله ********** والمجد يمشي في ركابه
هذا بحث الحقيقة والمجاز.
وهذه الأبحاث تخدم في مسألة فهم بلاغة القرآن وإعجازه،، ولك مثلا أن ترجع لتفسير الظلال ولكتابات سيد قطب رحمه الله لترى كيف تفهم بلاغة القرآن.
على أنني أحببت والوقوف مع بعض الأمور المتعلقة بالبحث هنا:
1 - من خصائص التشبيه في البيان العربي كونه عنصراً أساسياً في التركيب الجملي، والمعنى العام المراد لا يتم إلا به، فالنص الأدبي الممتاز لا يقصد إلى التشبيه بوصفه تشبيهاً فحسب، بل بوصفه حاجة فنية تبنى عليها ضرورة الصياغة والتركيب، فهو وإن كان عنصراً أساسياً يكسب النص روعة واستقامة وتقريب فهم، إلا أنه يبدو عنصراً ضرورياً لأداء المعنى المراد من جميع الوجوه، لأن في التشبيه تمثيلاً للصورة، وإثباتاً للخواطر، وتلبية لحاجات النفس.
إنك تستطيع من خلال التشبيه تكييف النص الأدبي نحو المعنى المراد، دون توقف لغوي، أو معارضة بيانية، مسيطراً على الموقف من خلال تصورك لما تريد إمضاءه من حديث، أو إثباته من معنى.
أ_ أما في الترغيب فانظر إلى قوله تعالى: وَعِندَهُم قاصراتُ الطّرفِ عِينٌ كأنَّهُنَّ بَيضٌ مكنونٌ.
ألا ترى ما في الوصف والتشبيه في هاتين الآيتين من التراصف، وإثارة النفس، نحو التعليق بمن تتحقق فيه هذه الأوصاف التي تطمئن إليها الروح، وتهش لها النفس، ويتطلع إليها الفكر مع نقاء الصورة، ولطف الاستدراج، ورقة الترغيب المتناهي، فقد وصف نساء أهل الجنة بحسن العيون الناظرة إلى أزواجها فحسب عفة وخفراً وطهارة، وشبههن بالبيض المكنون على عادة العرب في وصف وتشبيه من اشتد حجابه، وتزايد ستره، بأنه في كن عن التبرج، ومنعة من الاستهتار.
ب_ وأما في التنفير، فتزداد النفس عزوفاً، وتتوارى عن الصورة المتخيلة أو المتجسدة نفوراً، وقد شبهت بما هو أقبح منها، حتى تبدو الاستهانة واضحة والاشمئزاز منها متوقعاً، مضافاً إلى الهلع والرعب والتطير الذي توجده هذه الصورة الشديدة، وإن شئت فانظر إلى قوله تعالى: وفي عادٍ إذ أرسلنا عليهمُ الريحَ العقيم، ما تَذَرُ مِن شيءٍ أتت عليه إلا جعلتهُ كالرَّميم.
سترى كيف ازدادت عندك الحالة المتصورة سوءاً. وكيف نفر منها طبعك نفوراً، فما هو شأن هذه الريح المشؤمة التي جاءت بعذاب الاستئصال؟ وما هي خصائصها التي أوجدها الله _عزّ وجلّ _ وسخرها للهلاك التام المدمر حتى عاد كل شيء أتت عليه كالورق الجاف المتحطم نظراً لشدة عصفها، وسرعة تطايرها، وخفة مرورها.
وإضافة إلى ما تقدم نلمس في تشبيهات القرآن، وهي الذروة في تشبيهات اللغة العربية الكريمة، المحاكاة في الأمور المحسوسة، والمماثلة في الإدراكات المشاهدة، لأن في التصوير الحسي، والتشبيه في المشاهدات، انتقالاً من الأمور الذهنية الصرفة إلى العيان والنظر، وانصرافاً من القضايا العقلية المحضة إلى انعام الحواس بما تدركه دون جهد عقلي في تصور أمر مفروض، أو معنى ذهني مجرد، لا يتحقق مصداقه في الخارج إلا بما هو حسي، فيزول _عندئذ _ الغموض والإبهام، وتدرك في ضوء ذلك حقائق الأشياء.
¥