يقول تعالى ذكره: فما بكت على هؤلاء الذين غرّقهم الله في البحر - وهم فرعون وقومه - السماء والأرض، وقيل: إن بكاء السماء حمرة أطرافها. / ... /
وقيل: إنما قيل: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ والأرْضُ لأن المؤمن إذا مات، بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا، ولم تبكيا على فرعون وقومه، لأنه لم يكن لهم عمل يَصْعد إلى الله صالح، فتبكي عليهم السماء، ولا مسجد في الأرض، فتبكي عليهم الأرض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب (ث)، قال: ثنا طلق بن غنام (ث)، عن زائدة (ث)، عن منصور، عن المنهال، عن سعيد بن جُبير، قال: أتى ابن عباس رجل، فقال: يا أبا عباس أرأيت قول الله تبارك وتعالى فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّماءُ والأرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ فهل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال: نعم إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء منه ينزل رزقه، وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقه، بكى عليه وإذا فقده مُصلاَّه من الأرض التي كان يصلي فيها، ويذكر الله فيها بكت عليه، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحة، ولم يكن يصعد إلى السماء منهم خير، قال: فلم تبكِ عليهم السماء والأرض.
/*
قال العبد الضعيف، هذا عن ابن عباس وما أدراك ما ابن عباس من فَقُه في الدين وعَلِمَ التأويل، والأثر صحيح فصيح والحمد لله فعض عليه بالنواجد، وهل لكم – أخي جمال - في نقل قول سديد صحيح في قوة هذا القول تثبتون به ما ذهبتم إليه، لا أريد تحليلا عقليا، بل أثرا
هَل صَحَّ قَولٌ مَنِ الحاكي فَنَقبَلَهُ ... أَم كُلُّ ذاكَ أَباطيلٌ وَأَسمارُ
*/
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، قال: ثنا بكير بن أبي السميط، قال: ثنا قتادة، عن سعيد بن جُبير أنه كان يقول: إن بقاع الأرض التي كان يصعد عمله منها إلى السماء تبكي عليه بعد موته، يعني المؤمن.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن المنهال، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس فَمَا بَكَتِ عَلَيْهِمُ السَّماءُ والأرْضُ قال: إنه ليس أحد إلا له باب في السماء ينزل فيه رزقه ويصعد فيه عمله، فإذا فُقِد بكت عليه مواضعه التي كان يسجد عليها، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض عمل صالح يقبل منهم، فيصعد إلى الله عزّ وجلّ، فقال مجاهد: تبكي الأرض على المؤمن أربعين صباحا.
قال ابن كثير
وقوله سبحانه وتعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَآءُ وَالأرْضُ} أي لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء فتبكي على فقدهم، ولا لهم في الأرض بقاع عبدوا الله تعالى فيها فقدتهم، فلهذا استحقوا أن لا ينظروا ولا يؤخروا لكفرهم وإجرامهم وعتوهم وعنادهم.
أخرج الترمذي في سننه:
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَلَهُ بَابَانِ بَابٌ يَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ وَبَابٌ يَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ فَإِذَا مَاتَ بَكَيَا عَلَيْهِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) قَالَ أَبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَمُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبَانَ الرَّقَاشِيُّ يُضَعَّفَانِ فِي الْحَدِيثِ *
/*
قال العبد الضعيف، والحديث ضعيف من جهة "موسى بن عبيدة" و"يزيد بن أبان" وقد أشار إلى ذلك الإمام الترمذي في آخر الحديث وإنما سقته لما في شرح الإمام أبو بكر من فوائد
*/
قال الإمام أبو بكر ابن العربي في تحفة الأحوذي:
"بكيا" أي البابان "عليه" أي على فراقه لأنه انقطع خيره منهما بخلاف الكافر فإنهما يتأذيان بشره، فلا يبكان عليه. قاله ابن الملك، وهو ظاهر موافق لمذهب أهل السنة على ما نقله البغوي أن للأشياء كلها علماً بالله ولها تسبيح ولها خشية وغيرها، وقيل أي بكى عليه أهلهما،
وقال الطيبي انكشاف هذا تمثيل وتخييل مبالغة في فقدان من درج وانقطع خيره، وكذلك ما روي عن ابن عباس من بكاء مصلى المؤمن وآثاره في الأرض ومصاعد عمله ومهابط رزقه في السماء تمثيل ونفي ذلك في قوله تعالى: {فما بكت عليهم السماء والأرض} تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده فيقال فيه بكت عليه السماء والأرض انتهى،
وهو مخالف لظاهر الآية والحديث ولا وجه للعدول لمجرد مخالفته ظاهر العقول كذا في المرقاة
/*
قال العبد الضعيف، وانظر رعاك الله إلى قوله " وهو ظاهر موافق لمذهب أهل السنة "
وإلى قوله " ولا وجه للعدول لمجرد مخالفته ظاهر العقول"
*/
قال البغوي:
فما بكت عليهم السماء والأرض "، وذلك أن المؤمن إذا مات تبكي عليه السلام والأرض أربعين صباحاً، وهؤلاء لم يكن يصعد لهم عمل فتبكي السماء على فقده، ولا لهم على الأرض عمل صالح فتبكي الأرض عليه.
قال القرطبي رحمه الله:
قلت والقول الأول أظهر إذ لا استحالة في ذلك وإذا كانت السماوات والأرض تسبح وتسمع وتتكلم كما بيناه في سبحان ومريم وحم وفصلت فكذلك تبكي مع ما جاء من الخبر في ذلك والله أعلم بصواب هذه الأقوال
مع تحياتي وتقديري
¥