وأما استشهادك بقوله تعالى: (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ)، فإنّي أخالفك الرأي في هذه .. وذلك لأنّ الاستبدال في هذه الآية الكريمة قد جاء مقروناً بكلمة (مكان)، والعهد بالاستبدال أنْ يتبعه اسم متّصل بالباء، كأنْ يكون القول: استبدلتُ قلماً بكتاب .. فالكتاب هو الذاهب عنّي، والقلم هو الذي أخذتُه ..
وعمليّة الاستبدال هذه تعني أنّ شيئاً يذهب، وشيئاً آخر يجيء، والذي ذهب يكون عادة متّصلاً بباء الجرّ .. وعليه ورد قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) [البقرة: 61] .. فالذي هو خير هو الذي ذهب، وما تنبت الأرض من النباتات المذكورة في السورة هو الذي جاء .. بدليل قوله عزّ وجلّ: (فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا)، فهم أرادوا شيئاً لم يوجد بعد ..
وكذلك قوله علت كلمته: (وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) [النساء: 2]، فالطيّب ذهب والخبيث هو الذي يريدونه، والحديث عن بني إسرائيل في الآية الأولى، وعن عامّة الناس في الثانية .. ومن هذا الفهم عومل أيضاً الفعل (اشترى) والفعل (باع) .. تقول: اشتريتُ قلماً بدينار، فالدينار ذهب منّي، والقلم أتى إليّ ..
في حين أنّ الملاحظ في آية سورة النساء أنّها لم تقل: استبدال زوج بزوج! ولعلّ من أهمّ أسباب العدول عن اتصال الزوج بالباء هنا - والله أعلم - أنّ الأمور التي ترد معها الباء أمور تذهب، أي: شيء يحلّ مكان شيء، فهما لا يبقيان مع المرء بعد عملية الاستبدال ..
أمّا في حال الزوجة، فليس شرطاً أنْ تذهب زوجة وتأتي زوجة بدلاً منها، بل يمكن أنْ يتزوّج رجلٌ زوجة أخرى، وتبقى الأولى عنده .. وهذا يبيّن دلالة كلمة (مكان) في الآية .. فكأنّ المكان الذي كان للأولى قد تغيّر وحلّت فيه أخرى .. وليس بالضرورة أن يحصل هذا الاستبدال بسبب اختلاف، فهو من الحلال الذي أحلّه الله .. فما رأيكم بارك الله فيكم، وزادنا وإياكم علماً وبصيرة بكتابه؟
ـ[ضيفي فوضيل]ــــــــ[13 - 03 - 2007, 07:53 م]ـ
تحية عطرة أخي لؤي الطيبي وبارك الله فيك وجعلني الله عند حسن ظنك بي واسمح لي أن أعرض عليك بعض فهمي للموضوع .. وشيئا من الاختلاف في الرؤيا والمنظور وأملي أن أجد منك بعد ذلك ما يوضح القضية ويزيل الشبهة والاختلاف.
في استقراء بسيط لآيات القرآن الكريم وجدناه استبدل شيئا مكان آخر في ثلاث مواضع. أوضح استبدل شيئا مكان آخر وليس شيئا بشيء آخر.
1 - الأولى في سورة النساء الآية 20 في قوله: (إِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) النساء 20
وجاء تفسيرها في ابن كثير: أَيْ إِذَا أَرَادَ أَحَدكُمْ أَنْ يُفَارِق اِمْرَأَة وَيَسْتَبْدِل مَكَانهَا غَيْرهَا فَلَا يَأْخُذ مِمَّا كَانَ أَصْدَقَ الْأُولَى شَيْئًا وَلَوْ كَانَ قِنْطَارًا
2 - والموضع الثاني في سورة الأعراف الآية 95 في قوله تعالى: (ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) الأعراف 95
وجاء تفسيرها في ابن كثير: أَيْ حَوَّلْنَا الْحَال مِنْ شِدَّة إِلَى رَخَاء وَمِنْ مَرَض وَسَقَم إِلَى صِحَّة وَعَافِيَة وَمِنْ فَقْر إِلَى غِنًى لِيَشْكُرُوا عَلَى ذَلِكَ.
3_ وأما الموضع الثالث فجاء في سورة النحل الآية 101 في قوله تعالى: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) النحل101
جاء تفسيرها في ابن كثير: َقَالَ مُجَاهِد " بَدَّلْنَا آيَة مَكَان آيَة " أَيْ رَفَعْنَاهَا وَأَثْبَتْنَا غَيْرهَا.
فإنك أخي لؤي تلاحظ معي أن الاستبدال في المواضع الثلاثة كان يدل على أن شيئا ذهب ليحل محله شيئ آخر دون أن يتصل بالذاهب من الأشياء حرف الجر الباء ذلك أن كلمة (مكان) حلت محل الباء وأدت وظيفتها.
ثم أنك تلاحظ معي بوضوح أن استبدال زوج مكان آخر في الآية العشرين من سورة النساء كانت بسبب المفارقة والطلاق والدليل قوله تعالى: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً)
هذا والله أعلم. وإني انتظر منك بعد ذلك وقبله تعقيبا وتوجيها وتصحيحا وتصويبا وبارك الله فيك.
¥