تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويوضّح احمد ديدات - رحمه الله – هذه العبارة من النص، فيقول مخاطباً القس فان هيردن: " أنت تشاهد عندما أسألك أيها القس أن تفتح التوراة على سفر التثنية الإصحاح الثامن عشر العدد الثامن عشر في البداية، وإذا ما طلبت منك أن تقرأ، وإذا ما قرأت، هل أجعل كلامي في فمك؟ أجاب القس: لا. فقال أحمد ديدات: ولكن إذا أردت أن أعلمك لغة باللسان العربي، تلك اللغة التي لا تعلم عنها شيئاً، فإذا ما طلبت منك أن تقرأ أو تتلو القراءة عني فيما أنطق به على سبيل المثال " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ "، أما أضع هذه الكلمات التي لم تسمع عنها من قبل عن لسان أجنبي التي تنطق بها الآن في فمك؟ وافق القس قائلاً: بالحق إنه هكذا. قلت وبأسلوب مشابه في تنزيل القرآن كان جبريل يجعل كلام الله في فم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وحياً، فنزل به جبريل على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون من المرسلين، والنص من التوراة يقول: " وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به ". قال تعالى مخاطباً نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: " لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ وقال تعالى: " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ".

ومن ثم فإن اعتكاف محمد صلى الله عليه وسلم وتعبده في غار حراء واستجابته لبدء التنزيل وحياً عن طريق جبريل المَلك إنما هو إنجاز لنبوءة في سفر أشعيا (29\ 12) والتي نصّها: " أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال له اقرأ هذا فيقول لا أعرف الكتابة ". ويقول الله سبحانه وتعالى عن النبي الأمي في القرآن الكريم: " فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ " ..

فقوله (اجعل كلامي في فمه) دليل واضح على أنه أمي يقرأ كتاب الله قراءة في فمه لا من الصحف، ولا ينزل عليه ألواحاً كما أنزل التوراة على موسى، فإنها نزلت مكتوبة في الالواح. وهذا النص يصدّق قول الحق تبارك وتعالى في آية سورة الاعراف.

ولا أظن أن هذا الامر يحتاج الى مزيد من البيان والتوضيح. فأمية محمد صلى الله عليه وسلم دليل على نبوته، وليس الامر كما ادعى الاخ أبو عرفة بأنها " لم تكن شرطاً للنبوة ". يقول الفخر الرازي: "العرب ما كانوا أكثرهم يكتبون ولا يقرأون، والنبي عليه الصلاة والسلام كان كذلك .. وكونه أمياً بهذا التفسير كان من جملة معجزاته ".

ويقول القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: " وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ": فلو كنت ممن يقرأ كتاباً ويخط حروفاً "لارتاب المبطلون أي: من أهل الكتاب، وكان لهم في ارتيابهم متعلَّق، وقالوا: الذي نجده في كتبنا أنه أمّي، لا يكتب ولا يقرأ، وليس به. قال مجاهد: كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يخطّ ولا يقرأ، فنزلت الآية. قال النحاس: دليلاً على نبوّته لقريش، لأنه لا يقرأ ولا يكتب ولا يخالط أهل الكتاب .. ولم يكن بمكة أهل كتاب، فجاءهم بأخبار الأنبياء والامم وزالت الريبة والشك ". وهذا تمّ توضيحه والحمد لله رب العالمين.

الوجه الثاني:

وأما الشطر الثاني من ادعاء الاخ ابي عرفة، وهو أن أمية الرسول صلى الله عليه وسلم " لم تكن شرفاً لحاملها "، فهذا أيضاً باطل .. لأنها شرف وأي شرف لحاملها. فقوله تعالى: " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ "، هو خطاب من الله تعالى لموسى عليه السلام من قبل أن ينزل الإنجيل، فهو من باب الإخبار بما سيكون في المستقبل. والرسول النبي الأمي هو محمد صلى الله عليه وسلم، وهو منسوب الى الأمة الأمية التي هي على أصل ولادتها من السذاجة والبدائية، فلم تتعلم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير