تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبعد أن ذكر هذه الاوجه في تبيان فساد هذا النوع من الإعجاز، قال رحمه الله: " وأيضًا فإنا نقول جعلكم الوضع في إعجازه خلوّه عن المناقضة والاختلاف ليس علمًا ضروريًا، بل لا بدّ فيه من اقامة الدلالة، فيجب على من قال هذه المقالة تصحيحها بالدلالة، لتكون مقبولة، وهم لم يفعلوا ذلك ".

ويبدو أن الشيخ عبد العظيم الزرقاني - رحمه الله - قد تأثّر أيضًا ملاحظة الامام العلوي، حيث نراه هو الآخر يورد في كتابه عنوانًا أسماه "وجوه معلولة"، قال بعده مباشرة: " ذكر بعضهم وجوهًا أخرى للإعجاز، ولكنها لا تسلم في نظرنا من طعن، لأن منها ما يتداخل بعضه في بعض. ومنها ما لا يجوز أن يكون وجهًا من وجوه الاعجاز بحال. ونمثّل لهذا الذي ذكروه بتلك الاوجه العشرة التي عدّها القرطبي، وهي .. ". وبعد ان تعرّض لهذه الوجوه، وقام بدمج بعضها في بعض، خالف القرطبي في وجهين منها هما: الحِكم البالغة والتناقض بين معانيه. وقال: " إن واحدًا منهما لا يصلح وجهًا من وجوه الاعجاز لأنهما لا يخرجان عن حدود الطاقة، بل كثيرًا ما نجد كلام الناس مشتملاً على حِكَمٍ وسليمًا من التناقض والاختلاف ".

والمتأمّل في كلام هذين الامامين الجليلين يرى انه بنفيهما "عدم الاختلاف والتناقض" من بين وجوه الاعجاز، قد خالفا نصًّا قرآنيًا، يقول فيه الحقّ تبارك وتعالى: ? وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ?. فالقرآن الكريم يصرّح بأن سلامته عن الاختلاف دليل على كونه من عند الله تبارك وتعالى. فهو اذن وجه اصيل من وجوه الاعجاز. خاصّة وأن القرآن استغرق إنزاله ثلاثًا وعشرين سنة، ومع هذا لا نلمح خلافًا بين أول ما نزل وآخر ما نزل من حيث استواؤه موضوعًا وشكلاً.

ولتقديم الدليل على ما نذهب إليه، نقول: إن آية النساء تصرّح أنه لو كان القرآن مُخْتَلَقًا وليس من عند الله سبحانه وتعالى، كما يزعم المنافقون ومن هم على شاكلتهم، لوجدوا فيه اختلافًا وتناقضًا كبيرًا في أخباره، وفي نظمه، وفي معانيه .. فتفسير الآية واضح وجليّ، وذهب المفسرون الى ذات المعنى في تفصيلها.

ولكن الذي يهمّنا هنا هو "الإمتحان"! فقد سبق ووضّحنا ان مبدأ "الاحالة الذاتية" يمكنه ان يساعدنا على التحقّق من قيمة الكلمات الموجودة في عبارة ما، وذلك عن طريق تفحّص "استعمال" الكلمات الواردة فيها، ومن ثم القيام بتفحّص "ذكر" تلك الكلمات في العبارة نفسها. والآية تقول إنه لو كان القرآن من تأليف البشر، وليس من عند الله، لوجد فيه المنافقون كثيرًا من التناقضات! والآن، كيف يمكننا تطبيق مبدأ "الاحالة الذاتية" على هذه العبارة من النصّ القرآني الكريم؟

قبل أن نباشر بتطبيق هذا المبدأ على كلمات من القرآن الكريم، نودّ أن نسلّط بعض الضوء على مفهوم الكلمة القرآنية التي نحن بصددها هنا. فقد وجدنا بُعدًا جميلاً لهذا المفهوم عند الاستاذ محمد العفيفي في قوله: " إن كل كلمة في القرآن تعطيك مع اتصالها فصلاً خاصًّا بها وحدها، لا يتكرّر في القرآن كله بعد ذلك .. ". وهو يؤكّد على أن " تفصيل القرآن هو التطابق المطلق بين مواقع الكلمة القرآنية مهما تعدّدت مواقعها، وبين عدد الحقائق التي تقدّمها مواقع كل كلمة قرآنية. فعدد مواقع كل كلمة قرآنية هو نفسه عدد حقائقها ". ثم يقول في موضع آخر: " كلما تدبّرنا اي كلمة قرآنية متعدّدة المواقع في موقع جديد من مواقعها، فإن تعداد المواقع إنما هو تحقيق الاستجابة لحاجاتنا إليه ".

وبعد هذه المقدّمات يخلص العفيفي الى القول بأن " تعدّد مرات ورود أى كلمة في القرآن، دليل على ثبات هذه الكلمة، وحاجتنا نحن المخلوقين الى عدد من الحاجات، قدّرها الخالق سبحانه تقديرًا، فجاءت في كتابه العزيز، آية قرآنية مفصّلة، تفي بهذه الحاجات، على مستويات الفكر الانساني والعمل الانساني كما وصلهما الله بالحياة ". ثم ينتهي الى القول بأن " الكلمة القرآنية مهما تعدّدت مواقعها، فقد أتت مرة واحدة، والحاجات هي التي تكرّرت، بدليل أن القرآن ليس به اي إضافة عددية لكلمة من كلماته، دون حاجة حقيقيّة يأتي ذكرها مفصّلاً ومحكمًا لا مكان معه لتكرارنا لكلامنا العادي ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير