المؤلف: تماماً وقد قال رسول الله (ص) كلمةً من جوامع كلِمِهِ وهي من مشهور كلامه: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى). لذلك لا يصحّ الاستنتاج الذي ذكرته بقولك: (كلنا نعصي الله ونعلم أنها معصية)، لأن التعريف لم يتضمن العلم، بل (العمد) لأن حدَّ تمام المعصية للكافر هو أمران يثبتان العمد أحدهما: العلم أنها معصية والثاني: توجّه الفعل إلى المعصية نفسها. فالعلم وحده لا يكفي لإثبات العمد.
المحاور: كيف؟!.
المؤلف: لو أمرتني ألاّ أسافر فإني أعلم أن سفري فيه معصيةٌ لأمرك ولكني لو سافرت لتحقيق هدفٍ ما يخصني فلن يكفي ذلك لتعلن أني تعمّدت عصيانك. لكن لو لم يكن لي أي هدف من السفر سوى الرغبة في عصيانك فذلك هو العمد وذلك هو الاستكبار على أمرك. وإذن فقولك: (وطالما نرغب في ذلك) .. بماذا نرغب؟ في المعصية نفسها أم بالهدف؟ .. المؤمن يخطئ ويريد الوصول إلى هدف عرضي من خلال المعصية لذلك يستحق أن يغفر الله تعالى له إذا رجع وآب وأناب واستغفر، لأنه يشعر بالتقصير والذنب قبل المعصية وخلالها وبعدها. أما الكافر فيرغب في المعصية نفسها (فلم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا)
المحاور: الحمد لله على منّة المغفرة .. فاخبرني ألِهذا السبب والفصل الشديد بين الفريقين من حيث النية صار ممكناً أن يغفر الله تعالى الذنوب جميعاً؟
المؤلف: نعم .. فهذه العبارة خوطب بها العباد لا العبيد وهي قوله تعالى (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا).
المحاور: رأيتك الآن تفرّق بين العباد والعبيد .. أهذا شيءٌ ممّا أسميته بـ (المنهج اللفظي) الذي أرجو أن تسوق لي أمثلةً منه تأتي عفواً خلال الحوار.
المؤلف: نعم .. إذا شاء الله تعالى.
المحاور: فأوضح لي يرحمك الله مسألة العباد والعبيد ما دمت قد ذكرتها!.
المؤلف: العباد كما لو كانوا جمع (عبد) هم المتبعون طوعاً، والعبيد هم الذين في قبضته تعالى كرهاً. فيفهم من الاستخدام القرآني أن العباد مؤمنون والعبيد كفرة.
المحاور: هذا جميل جداً .. وإذا كانت التطبيقات والشواهد تؤيده، إذن فسيتغيّر حتماً مجرى تفسير كل الآيات التي وردت فيها هاتان المفردتان عند تحديد معانيهما واستخدامهما القرآني بهذه الدّقة.
المؤلف: أنت تفهمني فهماً صحيحاً أسأل الله تعالى أن يوفّقك!. أما الشواهد والتطبيقات فإنها تؤيد ذلك كما سنرى بإذن الله.
بحث بالمنهج اللفظي لمعرفة الفرق بين العباد والعبيد
يدل الاستخدام القرآني للفظ (عباد) أنهم جماعة المؤمنين كما في الآيات الكريمة التالية:
1. إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده .. (الأعراف 28)
2. جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب. . (مريم 61) والكفار ليس لهم وعدٌ كهذا.
3. يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده. (غافر 15)
4. إن عبادي ليس لك عليهم سلطان. (الحجر 42)
5. وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشّر عباد. (الزمر 17)
6. يا عبادِ لا خوفٌ عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون. (الزخرف 68)
7. إلاّ عباد الله المخلصين / لكنّا عباد الله المخلصين. (الصافات 39، 73) أربعة موارد.
8. أن أدّوا إلي عباد الله. (الدخان 18)
9. إنه من عبادنا المؤمنين. أربعة موارد أخرى في الصافات عند ذكر الأنبياء.
10. فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا (الكهف 65)
11. وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن (الإسراء 52)
12. وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنّكم متّبعون (الشعراء 52)
13. يا أيتها النفس المطمئنة أرجعي إلى ربّك راضيةً مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي (الفجر 29)
هذه الموارد التسعة عشر هي نماذج من الموارد الكلية البالغ عدده 96 مورداً للفظ (عباد). أما لفظ (عبيد) فقد ورد خمس مرات فقط كلّها في الكفار وهذه هي الموارد:
1. قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد. ما يبدّل القول لديّ وما أنا بظلام للعبيد. (ق 28، 29)
2. ذلك بما قدّمت أيديكم وإن الله ليس بظلاّم للعبيد (آل عمران 182)
3. ذلك بما قدّمت أيديكم وإن الله ليس بظلاّم للعبيد (آل عمران 182)
4. ومن أساء فعليها وما ربّك بظلامٍ للعبيد (فصلت 46)
¥