5. ذلك بما قدّمت يداك وإن الله ليس بظلاّم للعبيد. (الحج 10)
فقد ارتبطت الآيات الآنفة زمنياً بوقت التعذيب من خلال المقدمات السابقة عليها والتقريع الظاهر في عبارات (ذلك بما قدّمت أيديكم) أو (يداك).
المحاور: هذا شيء جميل حقاًً، لكن ألا يمكن أن يقال أن ذلك بسبب إضافة اللفظ إلى الله تعالى في الآيات إذ هو (عبادي) أو (عباد الله) أو (عبادنا) وموارد العبيد جاءت بغير إضافة، فلذلك كان هذا الفارق؟.
المؤلف: يجب ملاحظة كلّ شيء في اللفظ القرآني إذا أريد الدقّة. وهذا هو الحال بشكلٍ عامٍ .. لكن الفرق بشأن هذين اللفظين لا يكمن هنا، لأنه كان من الممكن أن يقول في آيات ذكر العذاب (وما أنا بظلاّم للعباد) وهكذا جميع الموارد الخمسة، لكنه قال في جميعها (العبيد) ممّا يدلّ على أنهم فئة مختلفة عن العباد.
المحاور: لماذا لا تذكر موارد (العباد) من غير إضافة إليه تعالى لتكون النتائج بدقّة لا يمكن خرقها أبداً أو الاعتراض عليها؟
المؤلف: هذا ممكن ولكن ستحتاج كلّ آية إلى إيضاحٍ جديد وتشترك ألفاظ أخرى وسوف تظهر من ذلك أسرار وتتغير مفاهيم وتسقط أوثان .. بل المناقشة في نفس المضاف موجودة لكنك لم تنتبه لها.
المحاور: كيف؟
المؤلف: مثلاً قوله تعالى (اعملوا آل داود شكراً وقليلٌ من عبادي الشكور) فقد يقال هذا مورد ذم للعباد كمجموع، لأن القليل منهم الشكور. وإذن فالتحديد (بأنهم هم المؤمنون فقط) غير صحيح، بل العباد هم مجموع الناس كما عليه إجماع المفسرين!.
المحاور: جميلٌ أن تعترض على نتائجك .. فماذا يكون الجواب؟.
المؤلف: الجواب أن الشكر مرتبةٌ إيمانيةٌ عاليةٌ جداً لا ينالها إلاّ الأولياء من (العباد) المؤمنين. فقال تعالى لهم بما معناه (أعملوا آل داود شكراً فقليلٌ من عبادي المؤمنين يقدر على أن يكون شكوراً). ولا يأمرهم بما لا يطاق وإنما أراد أن يوصلهم إلى هذه المرتبة لعلمه تعالى أنهم قادرون عليها.
المحاور: ما هو الدليل على أن الشكر هو مرتبة إيمانية عالية؟.
المؤلف: قوله تعالى عن نوح: (إنه كان عبداً شكورا)، فحينما جاء بلفظ (العبد) مفرداً لوصف رجلٍ واحدٍ، فقد كان يمكن أن يقع الشكر على العبد كرهاً أو على العبد طوعاً سواء بسواء لو كان لفظ العبد يشمل كل الناس، ولمّا وصف به (نوح) الذي هو من الأولياء الطائعين فقد دلّ ذلك على أن هذا العبد (نوح) واقع في قمة مرتبة العباد الطائعين فصحّ أن يقال عنه أنه (كان عبداً شكورا). وتلك المرتبة تقابلها من الجانب الآخرين قمة مرتبة العبيد الكافرين. وهذا يدلّ أيضاً على أنها مرتبة عالية جداً لاستحالة أن يغمطه الله تعالى حقّه (ع) أو يقلل من شأنه أو يضعه في مصاف من هم دونه من المؤمنين وهو يصفه هذا الوصف المقتضب فيما لوفهم هذا الوصف تبعاً لمفاهيم التبادر المصطلح عليه بين المفسّرين. فاللفظ (شكور) لم يدخله في جماعة المؤمنين وحسب، بل جعله فيه (أي نوح) من الخواص. ومن الواضح أن القليل من عباده تعالى المؤمنين هم بدرجة الخواص. فقوله تعالى: (وقليلٌ من عبادي الشكور) يعني قليلٌ من المؤمنين شكورٌ. فيطابق ذلك ما ذكرناه عن معنى العباد.
المحاور: هناك آيةٌ كريمةٌ تدعوني للجزم بصحة ما تقوله وهي قوله تعالى لإبليس: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ). فهذه الحقيقة تستلزم أن تكون مطردة فأينما وردت اللفظة (عبادي) فإنها تعني أولئك الذين ليس للشيطان عليهم من سلطان فهم المؤمنون حقاً.
المؤلف: أحسنت .. لقد صار الآن لديك قانونٌ صارمٌ لا مجرد فكرة أو تأويل يأتي بعد ذلك غيرك فيرفضه، أو يأتي آخر فيأتي بما يناقضه. قانونٌ تتحرك بمقتضاه في كلّ القرآن، فأينما جاء لفظ (عبادي) كان المقصود به المؤمنين دون الكافرين.
المحاور: أود أن أسأل الآن .. أين موقع المشركين بين هذين اللفظين؟
المؤلف: إن كنت تقصد المشركين غير الكفّار فهم جزءٌ من العباد بغير أيّة إضافةٍ أو وصف.
المحاور: هذا تحديد جديدٌ وغريبٌ. ألم نتّفق أن العباد مؤمنون؟.
¥