المؤلف: لقد اتفقنا قبل ذلك أن الجميع يؤمن بالله إن كان المقصود الاعتقاد بوجوده تعالى، واتفقنا أيضاً أن الكافر يقصد المعصية عناداً لله واستكباراً وعلواً وكان المثل في ذلك إبليس.
المحاور: لكن الآن اختلطت الأمور. صار المشرك والمؤمن في خانة واحدة في لفظ (العباد) والأولى أن يكون المشرك في خانة الكفار (العبيد).
المؤلف: لماذا تظلمه؟. إن المشرك الذي لم يصل إلى الكفر ضالٌ ومحتارٌ ومضيع للطريق بغير ما عناد لله تعالى ولا استكبارٍ عليه، بل أراد عبادة الله تعالى فعلاً فعبد معه غيره ظناً منه أنه بذلك يعبد الله، فلا يكون في خانة الكافر. فالفرق بينهما كالفرق بين صنفين وصفهما الإمام عليٌّ (ع) بقوله: (ليس من طلب الحق فأخطئه كمن طلب الباطل فأدركه).
المحاور: ما هي نسبة (المشركين) إلى (المؤمنين حقاً) المجموعين في لفظ (العباد)؟
المؤلف: المشركون أكثريةٌ.
المحاور: هذا عجيب!! ما هو الدليل؟.
المؤلف: قوله تعالى: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلاّ وهم مشركون).
المحاور: لقد ذكرت أن المشرك ضالٌّ، فهل معنى التشابك بين الألفاظ أن المؤمن قد يكون ضالاً كذلك؟.
المؤلف: نعم .. إن الضلال عكس الهدى. والمؤمن إمّا ضالٌ وإمّا مهتدي. والمشرك ضالٌّ دوماً. النقيض الذي لا يجتمع مع الإيمان هو الكفر. أما الضلال فيجتمع.
المحاور: فالكافر؟.
المؤلف: هو ضالٌّ ضلالاً عمدياً فهو ظالم.
المحاور: هل يوجد في كتاب الله ما يدلّ على فارق بين الإيمان والهدى؟ وأن الهدى شيء آخر غير الإيمان؟
المؤلف: إن لهذه الألفاظ والصفات مراتب وحدود بعدد المخلوقين فنحن نفتّش عن الحدود بيت تلك الصفات لا المراتب ولا النقاط المتداخلة لأنها جميعاً تظهر عند تحديد الحدود. نعم هناك قوله تعالى: (وإني لغفّار لمن آمن وعمل صالحاً ثمّ اهتدى). فهناك من تاب وآمن وعمل صالحاً ولم يهتد فهو مؤمن ضال.
المحاور: ألا تشمل المغفرة هذا المؤمن؟
المؤلف: إذا دخل الضلال حدود الشرك حوسب على ذلك المقدار من الشرك لقوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر دون ذلك لمن يشاء).
المحاور: الله أكبر. أتعني بقولك (حوسب على الشرك بذلك المقدار) أنه يحاسب على الشرك نفسه ـ فلا مغفرة فيه ـ وأن غيره يغفر وليس معنى الآية أنه لا يغفر له أبداً ويدخل جهنّم حتماً.
المؤلف: نعم .. إن الآية أوضح من كلامنا بكثير، فهو يقول: (لا يغفر أن يُشرك به) ولا يقول: (لا يغفر لمن أشرك به)، لأن لمن أشرك معاصي دون الشرك فإذا شاء غفرها.
المحاور: والله ما فهمت هذه الآية بدقة إلاّ الآن. وقولك الأخير هل يعني أنه تعالى يغفر ما دون ذلك حتى لو كان للشخص نفسه لأن بعض عمله شرك وبعضه دون الشرك؟.
المؤلف: بل ذلك ما تعنيه بالضبط تلك التركيبة من الألفاظ لاتصالها بقوله: (لمن يشاء). وإذا حدّد الأمر بهذه الدقّة للواحد عرفت كيفية محاسبة الجميع وفهمت حدود المغفرة.
المحاور: ألهذا السبب وردت صيغة المبالغة (غفّارٌ) مع المهتدي؟.
المؤلف: طبعاً لا يساوي بين من آمن وعمل صالحاً وبين من آمن وعمل صالحاً ثمّ اهتدى. فهو للأخير غفّارٌ وليس (غافراً) لأنه قد رضي عنه دينه لكونه مؤمن مهتدي.
المحاور: إن قوم نوح كفرةٌ فكيف جاء بهذه الصيغة نفسها في خطابه معهم (استغفروا ربّكم إنّه كان غفّارا)؟
المؤلف: ليس مثلك من يعترض على ذلك. لأن هذا خطاب نبيٍّ لقومه عموماً معلناً فيه عن حقيقة صفةٍ من صفاته تعالى، فيأتي بحدّها الأقصى لا الأدنى مع الأمر (استغفروا) ولا يستغفر إلاّ المؤمن الخائف المسلِّم أمره إلى الله وهذا لا بدّ أن يهتدي، فكان غفّاراً مع من سمع نداء نوح (ع) منهم وهم القلّة الذين ركبوا معه الفلك.
المحاور: لقد فهمت ذلك. فأوضح لي لماذا لا يغفر الله تعالى الشرك مع أنك ذكرت أنه ليس عناداً لله كالكفر؟.
المؤلف: لأن الشرك بخلاف العقل. فمن أشرك كان كمن أخرج نفسه من حدود العقل فلا يغفر له ذلك الأمر الذي أشرك فيه، لأنه لم يستعمل فيه عقله الذي وهبه الله تعالى له فيكون مسؤولاً لذلك السبب.
المحاور: أوَليس الكفر بخلاف العقل فيكون في هذا الأمر سواءاً كالشرك؟
¥