المؤلف: كلاّ .. إن علّة الكفر في القلب. فالكافر قد يعقل الأمر لكنه يكفر.
المحاور: ما هو الدليل على ذلك؟
المؤلف: الدليل: إن الله تعالى إذا ذكر الشرك حاور المشركين وخاطب العقل. وإذا ذكر الكفر ذكر معه القلب ومرض القلب ولم يحاورهم ولم يذكر لهم مثلاً، بل الوعيد بالعذاب وحسب.
المحاور: ألِهذا السبب ربّما يؤمن المشرك إذا (تعقّل) الأمر الذي أشرك فيه ولا يمكن أن يؤمن الكافر لأن الكفر قد دخل قلبه فلا علاج له؟
المؤلف: نعم.
المحاور: قد ذكرت لي آيةً تدلّ على أن الكافر لا يؤمن. فهل هناك آيةٌ تدلّ دلالةً واضحةً على أن المشرك قد يؤمن ويترك الشرك؟.
المؤلف: إيمان بعض المشركين على عهد الرسول (ص) دليلٌ على ذلك. وأما الآية فقوله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثمّ أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قومٌ لا يعلمون). فإسماعه كلام الله لاحتمال أن يؤمن.
المحاور: لو ذكرت بعض تلك الآيات التي كشفت فيها قاعدة استخدام العقل مع الشرك والقلب مع الكفر لتطمئنّ نفسي بصحة ما تقول.
المؤلف: نعم أذكر لك بعض تلك الآيات. فمع الكفر استخدم القلب كما في قوله تعالى: (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية)، وقوله تعالى: (قالوا سمعنا وعصينا واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) وقوله تعالى: (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب)، وقوله تعالى: (وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم)، وقوله تعالى: (إن الذين كفروا سواءٌ عليهم أانذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون. ختم الله على قلوبهم .. )، وقوله تعالى: (ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزواً ومن أظلم ممن ذكّر بآيات ربه فأعرض عنها، أنا جعلنا على قلوبهم أكنةً أن يفقهوه. .)
وأما الشرك الذي لم يدخل بعدُ في الكفر فيستخدم معه العقل كما في قوله تعالى: (أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم ولا يضركم. أفٍ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون)، وقوله تعالى: (يا قوم لا أسألكم أجراً إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون)
وذلك كان قول هود (ع) لقومه فقالوا: (يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين)
وقوله تعالى: (أم اتخذوا من دونه شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون)
وذلك عدا الاستخدامات غير المباشرة والأمثال كمثل رجل فيه شركاء ومتشاكسون ورجلٍ مسلّماً لرجلٍ، وعبداً مملوكاً لا يقدر على شيء لا يستوي هو ومن يأمر بالعدل والإحسان. وتلك أمثلةٌ تخاطب العقل. وكقوله تعالى: (هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء).
المحاور: قد عرفت ذلك فما هي الصلة بين العقل والقلب؟
المؤلف: إذا لم يكن القلب سليماً فلا نفع بالعقل. فالدافع على تعقّل الأشياء يأتي من القلب، فإذا أصيب القلب اضطرب عمل العقل. فإذا تمكن المرض من القلب وران عليه الكفر استقرّ عمل العقل على مخالفة الله واجتهد في محاربته وأظهر العقل قدرته بهذا الطريق.
المحاور: ما الدليل على أن العقل يعمل بأمر القلب؟
المؤلف: الدليل عليه قوله تعالى: (أم لهم قلوبٌ يعقلون بها).
المحاور: ألا يدلّ هذا على أن القلب لا يقصد به القرآن العضو المعروف، بل شيئاً معنوياً كالعقل بالنسبة للدماغ؟
المؤلف: كلاّ .. إن القلب في القرآن يقصد به العضو المعروف لأن الشيء المعنوي الذي يخص القلب هو الفؤاد.
المحاور: كيف؟ وما هو الدليل؟
المؤلف: هناك دليلان لذلك .. أولهما إن الفؤاد وضع مع الحواس في القرآن ولم يوضع مع الأعضاء في قوله تعالى: (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة) وتلك حواس لأن السمع حاسة والأذن عضو لقوله تعالى: (أم لهم آذان يسمعون بها). والدليل الآخر على أن القلب هو العضو المعروف قوله تعالى: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور). فتحديد المكان أنه في الصدور دليلٌ على أنه العضو المعروف.
المحاور: لقد قلت أن الأذن عضو والسمع حاسة لقوله تعالى: (أم لهم آذان يسمعون بها) .. فلماذا لا يكون القلب عضو والعقل حاسة أيضاً لقوله تعالى: (أم لهم آذان يسمعون بها).
المؤلف: هو كذلك وكما تقول.
¥