المحاور: في هذه الحال أصبح للقلب حاستين العقل والفؤاد.
المؤلف: نعم. لأن عملية التعقل تنشأ بالتصور. واستقرار الصورة أو الفكرة المتصورة هو من واجبات الفؤاد. فقد يجتهد العقل بتصور أمر ما ولكن لا تستقرّ الصورة ولا تثبت فيظل الفؤاد فارغاً من الصورة إذا كان الأمر فوق احتمال العقل. فإذا ألحّ القلب على العقل بشدّة تمكّن تثبيت الفؤاد لتستقرّ الصورة.
المحاور: هذا إذن معنى قوله تعالى: (وأصبح فؤاد أمّ موسى فارغاً).
المؤلف: نعم .. (إن كادت لتبدي بها لولا أن ربطنا على قلبها) لأن إلقاء وليدها في اليمّ هو شيء فوق احتمال العقل لتعقّل هذه الصورة فربط على القلب لتثبيتها في الفؤاد.
المحاور: وقوله تعالى: (ما كذّب الفؤاد ما رأى)؟
المؤلف: تمام الآية هو: (وكلاًّ نقصّ عليك من أنباء الرسل ما نثبّت به فؤادك).
المحاور: الفؤاد الذي تمكّن من استلام صورٍ لآيات ربّه الكبرى يحتاج إلى تثبيت بأزاء عنادهم وعتوهم فكم كان عتوّهم؟.
المؤلف: تخيل أنت ليثبت فؤادك!.
المحاور: كيف تعرّف الفؤاد لو سألك أحد أن تعرّفه؟
المؤلف: إنه ألواح الذاكرة التي تنطبع عليها الصور الواضحة، إنه يرتجف ويتحرك ولا يثبت حتى تكون الصورة واضحة بالحد الأدنى المحسوب، إنه يعمل كلوح ذاتي الحركة (أوتوماتيك).
المحاور: ما الفرق بينه وبين الذاكرة؟
المؤلف: الذاكرة هي المخزن العام لجميع الصور المعقولة وغير المعقولة والصحيحة والخاطئة وهي أرشيف العقل. والفؤاد هو مستودع خاص لكنه يعمل إضافةً لذلك على تثبيت الصور بما في ذلك الداخلة في مخزن الذاكرة. ألا ترى الإنسان إذا لم تتضح له صورة حدثٍ ما ولم يهتم به مطلقاً فإنّه سرعان ما ينساه.
المحاور: هل يعني ذلك أن الكافر ليس له فؤاد.
المؤلف: له فؤادٌ ولكنه لم ينتفع به، فهو يرتجف أمام الصور الحقيقية للمعقولات لأن القلب لا يأذن للعقل بتعقلها وتوضيحها.
المحاور: ولكن في هذه الحال يضطرب عمل الذاكرة عموماً!.
المؤلف: هذا ليس اعتراضاً، بل تأكيدٌ على صحّة ما ذكرناه، إذ لأجل ذلك ورد التذكر واشتقاقاته في القرآن أكثر من ثلاثمائة مرة بصيغٍ مختلفةٍ، وهو رقمٌ كبيرٌ جداً قياساً بموارد الفؤاد التي هي ستة عشر مورداً. ومن تلك الصيغ (أفلا تذكرون)، لعلكم تذكّرون)، (واذكروا)، (اذكروني)، (ذكرى)، (للذاكرين)، (ذكراهم)، (الذكر)، (التذكرة) ... الخ.
المحاور: هذا صحيح .. فماذا تسمي الأفعال المتقنة لعمل الأشرار من الكفار؟.
المؤلف: لا تسمى عملاً عقلانياً، لأنها بخلاف الأسلوب الذي صمّم الله تعالى به عمل العقل، بل تسمى مكراً وكيداً قال تعالى: (وكروا مكراً ومكرنا مكراً فانظر كيف كان عاقبة مكرهم)، وقال: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال)، وقال: (ويكيدون كيدا وأكيد كيداً).
المحاور: وهل في العقل تلك المرونة ليعمل بخلاف تصميمه الأول وغايته التي من أجلها خُلق؟.
المؤلف: نعم .. إن مثله في علاقته بالقلب مثل الحاسوب وعلاقته بالذي يشغّله، إن شاء استخدمه في الخير وإن شاء في الشر.
المحاور: إذن فالمشرك الذي لم يكفر بعد مثله مثل رجلٍ جاهلٍ استخدم هذا الحاسوب بطريقة خاطئة وهو يظنّ أنه يعمل به كما أوصى الصانع.
المؤلف: نعم .. فيكون مسؤولاً لأنه عهد إليه ألاّ يعمل به إلاّ كما أوصاه، فظنّه في غير محله لأنه ليس ظنّ الخاطئ أو الناسي أو الساهي. لأن الاتفاق جرى على أن لا يخرّبه وأن يحرص عليه كلّ الحرص، إذ فيه كل ما يحتاج إليه. فإذا عمل عليه متبعاً رجلاً آخر أو متبعاً هواه فكأنما جعل طاعته لغير الصانع فلا يغفر له ذلك لأن ما أهمل فيه هو عينه قائمة حسابه فإذا غفر الشرك ترك الحساب.
المحاور: ما أحسن هذا الربط! إذن فالمؤمنون يحاسبون على هذا الشرك، لأنه إن غفر لهم الشرك كان ما دونه مغفوراً حتماً فيدخلون الجنة بغير حساب. والكفار هم أهل النار سلفاً لأنهم لا يؤمنون فلا يبقى موضوع للحساب.
المؤلف: نعم .. وقد أحسنت.
المحاور: على هذا التفسير والفهم يكون الشرك موجوداً الآن بيننا وبكثرة.
المؤلف: نعم .. والكفر!.
المحاور: أخبرني عن الناس في عهد النبي (ص) كانوا مشركين أم كفّاراً قبل مبعثه؟.
¥