تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المؤلف: كان أكثرهم في الظاهر على الشرك الصريح، فلما بعث (ص) آمنت طوائف وتحوّل الباقون إلى كفّار وهم أكثر قومه وبقي هو هذا الحال إلى أن قبض صلوات الله تعالى عليه.

المحاور: كيف؟ لقد قيل أن الناس كلهم دخلوا دين الله وخاصةً بعد فتح مكة وارتدت طوائف بعدما قبض (ص) أو خلال حياته فقاتلهم المؤمنون فرجعوا إلى الدين تباعاً.

المؤلف: هذا كلام!!.

المحاور: ماذا تعني بقولك هذا كلام؟.

المؤلف: إنه كلامٌ يقال مقابل كلام الله. للناس كلام ولله كلام وكلام الله غير كلام الناس.

المحاور: ما هو كلام الله للناس بشأن قوم النبي (ص) تحديداً لا عموماً؟.

المؤلف: كلام الله هو: (يس. والقرآن الحكيم. إنك لمن المرسلين على صراطٍ مستقيم لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون). هذا هو حالهم لحظة المبعث، لأنه يحدد الغاية من إرساله.

المحاور: وما حالهم بعد المبعث وفق كلام الله؟

المؤلف: (لقد حقّ القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون. أنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مقمحون. وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون. وسواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون). فإن الله يخبرنا مرتين في أوائل هذه السورة فقط أن أكثرهم لا يؤمنون. فقول من قال (دخلوا الدين جميعاً) قد يراد به أنهم دخلوه ظاهراً، أما في الحقيقة فإن أكثرهم تحوّلوا من الشرك إلى الكفر.

المحاور: كيف حدث التحوّل ولماذا؟.

المؤلف: لو رجعت إلى المثل الأول لعرفت السبب. فالرجل الذي يعبث بالحاسوب لو جاءه رسولٌ من الصانع يأمره ويذكّره بالاتفاق وتنفيذه، ومعه ختمٌ وكتابٌ ودلائل وعلامات ومزيد عطاء وغنى، وبرهن له أن ما يقوم به هو العبث والتخريب، فأعرض واستمرّ في عبثه. فهل يضعه الصانع بعد ذلك في خانة (الغافلين) أم في خانة (الذين حقّ عليهم القول)؟.

المحاور: نعم .. في خانة من حقّ عليه القول، لكن هذا مخالف لما رأيناه من قبل من بقاء الشرك، فقد أصبحت النتيجة هنا أنه لا شرك بعد إرسال الرسل، بل الكفر وحسب لأن الرسول (ص) في مبعثه ودلائله قد محّص قلوبهم ونواياهم فلم يبق أحدٌ ما غافلاً.

المؤلف: نعم .. سأوضح لك الأمر بطريقةٍ تجمع شتاته وتتضمّن عناصره: إن كلّ معصية لله تعالى هي شرك، فإن كانت صادرة من العقل دون القلب فهي شرك وحسب وإن كانت صادرة من القلب والعقل معاً فهي كفر. فالذي كان يعبد صنماً ضالاً كان في الظاهر مشركاً فإذا أنذره النذير (ص) وأتمّ حجتّه عليه .. فإن انقاد له ولقوله فقد أسلم وآمن وإن أعرض فقد كفر. فإذا افترضنا أنه آمن فإنه إن كان آمن ظاهراً وباطناً، فقد دلّ ذلك على سلامة قلبه فطهر من شرك الاعتقاد، وبقي أن يطهّر من شرك العمل، فإنه يظل (يشرك في عبادة ربّه أحدا) وإن كان صادقاً أن لا إله إلاّ الله ولا يشرك بالله ما لم ينزّل به سلطاناً. فالشرك بالله هو غير الشرك بعبادة الرب.

المحاور: لله درّك! .. لقد بدأت أتلقف الأشياء وأحسُّ بها. فأين تلك الآية من القرآن؟.

المؤلف: إنها آخر آيةٍ من سورة الكهف .. من قرأها قبل النوم استيقظ ساعة يشاء وهي قوله تعالى: (قل إنما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إلي إنما إلهكم إله واحد، فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربّه أحدا). ففي الاعتقاد أنه إله واحد وفي العمل (لا يشرك بعبادة ربّه) ولم يقل يشرك بالله لأنه ذكره بقوله (إله واحد)، ألا تراه قد قرن شرك العبادة بالعمل فليعمل (عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)؟.

المحاور: ففي هذه الحال يكون المؤمن مؤمناً موحداً لكنه يشرك في عبادة ربه أحدا.

المؤلف: نعم .. ألم أقل لك ذلك من قبل؟ أنت ترى أننا اتفقنا، فشرك الألوهية هو غير شرك الربوبية.

المحاور: فيكون شرك الألوهية في هذه الحال كلّه كفرٌ!.

المؤلف: نعم .. ذلك هو الحق لاستحالة تحقّق شرك الألوهية إلاّ من القلب.

المحاور: قد أسألك عن التفسير الفلسفي لذلك فيما بعد، لكن الآن أسألك كيف تفرّق بين هذين الشركين في القرآن؟.

المؤلف: سأذكر لك الآيات التي تدلّ على الأمرين معاً: كونه على الظاهر شركٌ وكونه عند الله هو الكفرٌ متحققاً في نفس الآية:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير