الأولى: قوله تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح عيسى بن مريم). لأنهم إن أرادوا الدفاع قالوا: بل هو الشرك فعاقبْنا عليه ثمّ أدخلْنا الجنة .. فقضى تعالى أنه كفر. والثانية: قوله تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة). ففي الآيتين جاء بلفظ الجلالة وظاهره شرك وحقيقته كفر وأكّده بحرف التحقيق (لقد) للدلالة على أنه حاصلٌ.
والآية الثالثة: وهي تكملة الآية الأولى قوله تعالى: (وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة). فتحريم الجنة دليل على الكفر. لأن الشرك يعذّب ويعاقب عليه ولا بدّ من انتهاء العقاب لأن القلب لم يشرك والعقل يرتدع بالعقاب، لكن أبدية تحريم الجنة دليل على أنه كفر أي شرك الاعتقاد أي شرك القلب المقصود وليس من قصور أو تقصير العقل. فجاء هنا بلفظ الجلالة.
والآية الرابعة: قوله تعالى: (ومن يشرك بالله فكأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكانٍ سحيق) فالوصف دليلٌ على أنه نزولٌ إلى الهاوية فهي جزء من جهنم لا مجرّد عذاب في النار.
المحاور: ما أجمل ذلك وما أروعه!! يخيل إلي أني أستطيع الآن أن أفهم بعض الخطابات القرآنية للمؤمنين وحتى للأنبياء التي تتضمن التحذير من الشرك.
المؤلف: نعم .. فقوله تعالى لرسوله (ص) (لئن أشركت ليحبطنّ عملك) محالٌ عليه (ص) أن يشرك بالله بعد الهدى الذي هداه ـ كيف وهو يهدي إلى صراط مستقيم ـ إنما هو أي فعل صغير شرك فيه نزعة من نوازعه الإنسانية كهاجس رحمة على رجلٍ منافق أو هاجس راحةٍ في موضع جهاد أو لين في موضع شدّة، فهو أمرٌ مقترنٌ بالعمل (لئن أشركت ليحبطن عملك).
المحاور: الله أكبر. هذا يثبت عصمته من كل صغير وكبير، إذ لم يقل له (لئن أشركت بالله).
المؤلف: نعم .. هذا صحيح جداً لأننا نعلم أنه لم يحبط له عمل، وإذن فلم يشرك شرك عمل قط وهو ألاّ يقدم عليه كل مؤمن عداه ومن عصمه الله تعالى. وقد افتخر الإمام علي بن الحسين (ع) بعد أسره في خطابٍ له على رؤوس قتلة أبيه الحسين (ع) قال فيه: (أنا ابن من بايع البيعتين وهاجر الهجرتين .. إلى قوله ولم يشرك بالله طرفة عين) يريد هذا المعنى لا سواه لأنه هو الذي علّم الناس التوحيد.
المحاور: لكن الإمام هنا خالف اللفظ القرآني أو القاعدة التي تتحدث عنها باستخدام لفظ الجلالة وقد أخبرتني أنك اكتشفت أن كلام أهل البيت (ع) يسير على منهج اللفظ القرآني الذي نحن بصدده وإنك عرفت ذلك بشكل منفرد بغير ما تأثرٍ بأي تأثيرٍ مذهبي وإن ذلك أحد الأسباب التي دعتك للإيمان بعصمتهم.
المؤلف: إن كلام الإمام (ع) هنا يطابق القاعدة تماماً لأن قوله (طرفة عين) لا يريد به حجم الشرك، بل نوعه فلا بدّ أن يأتي إذن بلفظ الجلالة.
المحاور: حبذا لو زدتني إيضاحاً.
المؤلف: طرفة العين هي عمل لكنه من النوع اللاإرادي فلما نفى أن تكون الخلجة تلك وهي لا إرادية مشوبةً بشرك، فكأنما نفى كل عمل إرادي وغيره أن يكون مشوباً بالشرك، لأنه لو قال: (لم يشرك طرفة عين) لكان كلامه مبهماً .. يشرك من بمن؟. ولو قال (بربّه) لأحدث الالتباس لتعدّد الأرباب من دون الله، فاحتمل بلاغياً أن يكون له رب آخر ولكانت العبارة خاطئة من جهة اقتران العمل اللاإرادي بصفة الربوبية ذات العلاقة بالعمل الإرادي. فكانت تلك العبارة هي الوحيدة التي تجمع نفي الشرك بكافة أقسامه بنفي أدنى جزء منه ممكن تصوّره وأدنى جزء هو اللاإرادي وما كان خلجةً منه، وأدنى جزء من العمل ما كان لا إرادياً، وأدنى جزء من ذلك اللاإرادي ما كان خلجةً، وأدنى جزء من الخلجات ما كان ضرورةً من ضرورات الخلق مثل نبض القلب والتنفس، وأدنى جزء من ذلك ما كان قصير الأمد خافياً وهو طرفة العين. وكل ذلك متّصل بالخلق والخلق مقترن في كتاب الله بلفظ الجلالة (والله خلقكم من تراب)، خلق الله السموات والأرض بالحق)، (والله خلقكم في بطون أمهاتكم)، (هذا خلق الله)، (تبارك الله أحسن الخالقين). بل يأتي لفظ الجلالة مع وجود لفظ (الرب) إذا كان الموضوع عن الخلق (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين).
المحاور: إني أشعر أن هذا بمفرده يصحّ أن يكون موضوعاً مستقلاً.
المؤلف: نعم .. ولكن من هذا الذي يجمع شتاته ويضح مسالكه؟.
المحاور:: وأشعر كذلك أن كتاب الله لم يدرس للآن دراسةً تليق بمقامه!
المؤلف: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا).
ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[04 - 06 - 2005, 01:47 م]ـ
السلام عليكم
أرغب أن تلخص لنا أفكارك الواردة في حواريتك لنعلم حقيقة ما تريد---كما أن طبيعة الشاشة المشعة تأبى على العين قراءة المطولات---فاختصر قدر الإمكان حتى يمكننا المتابعة
¥