تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهو باطل؛ لأنه ترجيح للصفة المعمول بها ولا مرجح لها؛ ولأن فيه إبطال للصفات الأخرى وهي مشروعة بدليل صحيح وإبطال أو إنكار شيء من الشرع لا يجوز، بل قد يكون كفرًا - والعياذ بالله تعالى -.

فإذا قلت: إذًا كيف العمل في هذا النوع من العبادات؟

أقول: العمل في هذا النوع من العبادات هو ما ورد في هذه القاعدة، وهو أننا نفعل هذه العبادة على جميع كيفياتها وصفاتها الواردة، فلا نترك صفة واحدة، فنفعلها على هذا الوجه تارة، وعلى الآخر تارة أخرى، وهكذا لأن كل صفة منها قد ثبتت بدليل شرعي صحيح وما ثبت بدليل صحيح فإنه يشرع العمل به ولا يجوز إبطاله، وهذا هو الجواب الصحيح الذي لا يجوز غيره ففيه الجمع بين الأدلة الشرعية، وبه تتآلف ولا يكون بينها اختلاف بوجه، إذا علم هذا فاعلم أن هذا التنويع في كيفية بعض العبادات من كمال الشريعة الإسلامية ومصداقاً لقوله تعالى:] الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا [ثم اعلم أن هذا القول الراجح أعني فعل العبادة على جميع وجوهها له فوائد كثيرة:

فمن ذلك: حفظ الشريعة وعدم ضياع أو نسيان شيء منها، فإننا إذا فعلنا العبادة على جميع وجوهها نكون بذلك قد حفظنا جميع وجوهها من النسيان وهذا يدخل في إحياء السنن وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحيا سنة من سنتي قد أميتت فله أجرها وأجر من عمل بها).

ومن ذلك: تنويع العبادة على النفس حتى لا تمل فإن النفس غالبًا تحب التجديد وهذه الصفات المتعددة تشبع رغبة النفس في التبديل والتجديد فتكون النفس على نشاطٍ من فعلها دائمًا، فالنفس تحب ما كان متغيرًا متجددًا أكثر من حبها لما هو ثابت على صفة واحدة.

ومن ذلك: دوام استحضار النية عند العمل وعدم أخذه عادة فإن بعض الناس قد اتخذ العبادات ذات الصفة الواحدة عادة لا عبادة؛ لأن جسمه قد تعود على حركاتها فيأتي بها بلا خشوع ولا حضور قلب، كالصلاة مثلاً فبعض الناس قد تعود على حركاتها فتجده يكبر للإحرام ثم يكملها فإذا سلم إذا به لا يعرف ماذا قرأ وهل ركع أو سجد، فلا نية ولا خشوع لكن العبادات التي لها وجوه متنوعة تجعل الإنسان يستحضر صفتها التي سيفعلها عليه قبل الشروع فيها فيأتي بها شيئًا فشيئًا بنية حاضرة وقلبٍ خاشع وهذا مقصد بحد ذاته.

ومن ذلك: نشرها بين الناس حتى لا تنكر فإننا لو داومنا على صفةٍ من صفات هذه العبادة وتركنا ما عداها، بحيث لا يعرف الناس لهذه العبادة إلا هذه الصفة، فإننا لو غيرناها إلى صفةٍ أخرى ثبتت بدليل صحيح فإن الناس سوف ينكرون ذلك فيقعون في المحظور وهو إنكار شيء من الشرع، لكن لو فعلت هذه العبادة على جميع وجوهها وعرفها الناس بجميع صفاتها لما وقعوا فيما قد وقعوا فيه من قبل وهذا واضح محسوس.

ومن ذلك: أننا نعتقد أن الشارع حكيم لا يشرع شيئًا إلا وفيه حكمة بالغة علمها من علمها وجهلها من جهلها، فكل صفة من هذه الصفات لهذه العبادة تتضمن حكمة بالغة فلو اقتصرنا على بعضها دون بعض لفوتنا مصلحة الصفات المتروكة لكن لو فعلنا جميع الصفات فإننا سوف نكون حزنا جميع هذه الحكم والمصالح ولم نفوت شيئاً منها أبدًا وهذا مطمع كل مؤمن عاقل - والله المستعان -.

إذا علمت هذا فاعلم أن هذه العبادات أعني التي وردت على وجوه متنوعة لا تخلو من حالتين: إما أن يسوغ فعل جميع وجوهها في وقت واحد بحيث لا تتنافى مع بعضها لو جمعت كلها في فعلٍ أو وقتٍ واحد.

وإما أن لا يسوغ ذلك، فإن ساغ جمعها في فعلٍ أو وقتٍ واحد فلا بأس أن تفعل جميعًا في وقتٍ واحد كأذكار الركوع والسجود ونحوها 2، وإن كان جمعها في فعلٍ أو وقتٍ واحدٍ لا يجوز فإننا نفردها فنفعل هذه العبادة على صفاتها المتنوعة في أفعالٍ أو أوقاتٍ متعددة كالأذان والإقامة على ما سيأتي توضيحه - إن شاء الله تعالى -، إذا علمت هذا فإلى الفروع حتى تتضح القاعدة ويزول الإشكال: فأقول:

منها: الأذان: فهو عبادة وردت بصفتين لا ثالث لها،

الصفة الأولى: أذان بلال.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير