[بحث: قتل الغيلة، للشيخ: عادل بن عبدالله المطرودي]
ـ[أبو عبدالملك النجدي]ــــــــ[01 - 12 - 06, 01:14 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذا بحث في مسألة (الغيلة).
الغيلة في اللغة هي: قال الأصمعي: «قتل فلان فلاناً غيلة، أي في اغتيال وخفية، وقيل: هو أن يخدع الإنسان حتى يصير إلى مكان قد استخفى له فيه من يقتله، قال ذلك أبو عبيد» (1).
وفي القاموس وشرحه: «(غاله) الشيء يغوله غولاً، أهلكه كاغتاله، وغاله أخذه من حيث لم يدر» (2).
الغيلة في الاصطلاح: وأما غيلة في اصطلاح الفقهاء فقد اختلفوا في ذلك:
يقول الباجي المالكي ـ رحمه الله ـ: «أصحابنا يوردونه على وجهين:
أحدهما: القتل على وجه التحيل والخديعة.
والثاني: على وجه القصد الذي لا يجوز عليه الخطأ» (3).
ويقول القرطبي ـ رحمه الله ـ: «والمغتال كالمحارب وهو الذي يحتال في قتل إنسان على أخذ ماله، وإن لم يشهر السلاح، لكن دخل عليه بيته أو صحبه في سفر فأطعمه سما فقتله فيقتل حداً لا قوداً» (4).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «وأما إذا كان يقتل النفوس سرا؛ لأخذ المال، مثل الذي يجلس في خان يكريه لأبناء السبيل، فإذا انفرد بقوم منهم قتلهم وأخذ أموالهم، أو يدعو إلى منزله من يستأجره لخياطة أو طب أو نحو ذلك فيقتله ويأخذ ماله، وهذا يسمى القتل غيلة» (5).
فالمتحصل من كلام هؤلاء العلماء ومن غيره:
• أن من الفقهاء من خص الغيلة بالقتل خفية لأخذ المال.
• ومنهم من جعل الغيلة هي قتل شخص لأخذ ما معه من مال، أو زوجة أو أخت ونحو ذلك.
• ومنهم من توسع فيه، وجعل أي قتل فيه خديعة وتحيل أو على وجه القصد الذي لا يحتمل معه الخطأ هو الغيلة.
على كل حال فالاختلاف في ضابط قتل الغيلة لا أثر له بالنسبة لمن لم يفرق بين أنواع القتل العمد العدوان؛ لأن النتيجة عنده هي إيجاب القصاص، لكن من يرى التفريق بين أنواع القتل العمد العدوان، فيجعل الغيلة من قبيل الحد، ويجعل الصور الأخرى من قبيل القصاص، فهؤلاء يظهر أثر الخلاف عندهم والله أعلم.
الخلاف بين الفقهاء فيما يوجبه قتل الغيلة من القصاص أو القتل حداً، وبيان ما يترتب على الخلاف
القول الأول:
أن القتل غيلة موجب للقصاص، وهذا يعني أن الأمر بيد أولياء القتيل، إن شاءوا أن يعفو فلهم ذلك، وإن شاءوا الاستيفاء فلهم ذلك.
وهو قول الحنفية والشافعية والحنابلة في المشهور من مذهبهم، وابن حزم.
قال أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ: «من قتل رجلاً عمداً قتل غيلة أو غير غيلة، فذلك إلى أولياء القتيل، فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا عفوا» (6).
وقال الشافعي ـ رحمه الله ـ: «كل من قُتل في حرابة أو صحراء أو مصر أو مكابرة أو قُتل غيلة على مال أو غيره أو قُتل نائرة، فالقصاص والعفو إلى الولي، وليس إلى السلطان من ذلك شيء» (7).
وفي كشاف القناع قال: «وقتل الغِيلة بكسر الغين المعجمة، وهي القتل على غرة وغيره ـ أي غير قتل الغيلة ـ سواء في القصاص والعفو؛ لعموم الأدلة ... » (8).
أدلة أصحاب القول الأول:
استدلوا بأدلة منها:
الدليل الأول:
عموم الأدلة التي لم تُفرق بين قتل الغيلة وغيره من أنواع القتل ومنها:
أ. قوله تعالى: {و لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق و من قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً} (9).
ب. قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى} (10).
قال ابن حزم ـ رحمه الله ـ: «فعمَّ تعالى كل قتل وجعل العفو في ذلك للولي» (11).
جـ. وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في حديث أبي هريرة: «وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا يُودَى وَإِمَّا يُقَادُ» (12).
قال ابن حزم ـ رحمه الله ـ: «ونحن نشهد بشهادة الله أن الله ـ تعالى ـ لو أراد أن يخص من ذلك قتل غيلة، أو حرابة، لما أغفله ولا أهمله، ولبيَّنه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -» (13).
وقال ابن حجر: «استدل به الجمهور على جواز أخذ الدية في قتل العمد ولو كان غيلة» (14).
الدليل الثاني:
¥