الْحِسَابَ إنَّمَا يَقْتَضِي الإِمْكَانَ، وَمُجَرَّدُ الإِمْكَانِ لا يَجِبُ أَنْ يُرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَتَرْتِيبُ الْحُكْمِ لِلشَّارِعِ، وَقَدْ رَتَّبَهُ عَلَى الرُّؤْيَةِ، وَلَمْ تَخْرُجْ عَنْهُ إلا إذَا كَمُلَتْ الْعِدَّةُ، الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْقَاتِ الصَّلاةِ أَنَّ الْغَلَطَ قَدْ يَحْصُلُ هُنَا كَثِيرَاً بِخِلافِ أَوْقَاتِ الصَّلاةِ يَحْصُلُ الْقَطْعُ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ غَالِبَاً. وَهَذَا الْخِلافُ فِيمَا إذَا دَلَّ الْحِسَابُ عَلَى إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ وَلَمْ يُرَ، فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ السَّبَبَ إمْكَانُ الرُّؤْيَةِ، وَالثَّانِي وَهُوَ الأَصَحُّ أَنَّ السَّبَبَ نَفْسُ الرُّؤْيَةِ أَوْ إكْمَالُ الْعِدَّةِ. وَعَلَى كِلا الْوَجْهَيْنِ: لَيْسَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحِسَابُ مَحْكُومَاً عَلَيْهِ بِالْبُطْلانِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ تَنْتَهِي مُقَدِّمَاتُهُ إلَى الْقَطْعِ، وَقَدْ لا تَنْتَهِي إلَى ذَلِكَ بِحَسْبِ مَرَاتِبِ بُعْدِهِ عَنْ الشَّمْسِ وَقُرْبِهِ».
وَقاَلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بَعْدَ كَلامٍ لا حَاجَةَ بِنَا لِذِكْرِهِ: «وَلا يَعْتَقِدُ أَنَّ الشَّرْعَ أَبْطَلَ الْعَمَلَ بِمَا يَقُولُهُ الْحِسَابُ مُطْلَقَاً فَلَمْ يَأْتِ ذَلِكَ، وَكَيْفَ وَالْحِسَابُ مَعْمُولٌ بِهِ فِي الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الْكِتَابَةُ وَالْحِسَابُ، وَلَيْسَتْ الْكِتَابَةُ مَنْهِيَّاً عَنْهَا فَكَذَلِكَ الْحِسَابُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ ضَبْطُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فِي الشَّهْرِ بِطَرِيقَيْنِ ظَاهِرَيْنِ مَكْشُوفَيْنِ: رُؤْيَةِ الْهِلالِ أَوْ تَمَامِ ثَلاثِينَ، وَأَنَّ الشَّهْرَ تَارَةً تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، وَتَارَةً ثَلاثُونَ، وَلَيْسَتْ مُدَّةً زَمَانِيَّةً مَضْبُوطَةً بِحِسَابٍ كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْهَيْئَةِ؛ وَلا يَعْتَقِدُ الْفَقِيهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هِيَ الَّتِي قَالَ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ: إنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الْعَمَلِ بِالْحِسَابِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا دَلَّ الْحِسَابُ عَلَى إنْكَارِ الرُّؤْيَةِ وَهَذَا عَكْسُهُ».
قُلْتُ: وَهَذَا كَلامٌ فَائِقُ الرَّوْعَةِ وَالتَّحْرِيرِ، فَإِنَّ الله تَعَالَى جَعَلَ الأهِلَّةَ مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ، وَلا تَكُونُ مَوَاقِيتَ لَهُمْ إلا إذَا أَدْرَكُوهَا بِرُؤْيَةِ الْبَصْرِ، وَسَمِعُوهَا بِإِهْلالِ مَنْ رَأهَا، فَإِذَا انْتَفَى الإِدْرَاكُ بِالْبَصْرِ وَالسَّمْعِ انْتَفَى التَّوْقِيتُ، فَلا تَكُونُ أَهِلَّةً، وَلا تَبْدُو الْحِكْمَةُ حِينَئِذٍ مِنْ جَعْلِهَا أَمَارَاتٍ حِسِّيَّةٍ عَلَى أَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ. وَثَمَّةَ أَمْرٌ آخَر أَنَّ مَا يَنْضَبِطُ بِالْحِسِّ أَشْيَعُ وَأَشْهَرُ مِمَّا يَنْضَبِطُ بِالْحِسَابِ. فَثَبَتَ بِالْعَقْلِ أَنَّ ضَبْطَ رُؤْيَةِ الْهِلالِ بِالْحِسَابِ لا يَصِحُّ أَصْلاً، كَمَا ثَبَتَ بِالشَّرْعِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكْتُبُ وَلا نَحْسُبُ»، وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ».
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[23 - 09 - 06, 04:34 م]ـ
قلتم: يتم الشهر (تسعة وعشرين أو ثلاثين يوما)
فهل يصوم يوم عيدهم، أم يفطر ثم يقضي؟
ــــــــــ
عَجِيبٌ أيُّهَا الْحَبِيبُ، بَلْ يُفْطِرُ بِفِطْرِهِمْ، وَيَقْتَدِي بِهَدْيِهِمْ، وَيُعَيِّدُ عِيدَهُمْ،
وَيَلْزَمُ جَمَاعَتَهُمْ، ثُمَّ يَقْضِي بَعْدُ مَا نَقَصَ مِنْ عِدَّةِ شَهْرِهِ عَمْلاً
بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ «وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ».
ـ[ابوخالد الحنبلى]ــــــــ[23 - 09 - 06, 05:31 م]ـ
شكرا للشيخ المبجل علامة الحديث ابومحمد الالفى على بحثه الفقهى الممتع
ـ[عمر الإمبابي]ــــــــ[23 - 09 - 06, 06:12 م]ـ
شيخنا الكريم:
هل تتفق مصر والسعودية في المطلع؟
وكيف يعرف اتفاق المطالع واختلافها؟ هل هو الاشتراك فى جزء من الليل فقط؟ أم شىء آخر زائد عن هذا القدر؟
وجزاك الله خيرا.
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[24 - 09 - 06, 12:21 ص]ـ
المشاركة الأصلية بواسطة: عمر الإمبابي
شيخنا الكريم: هل تتفق مصر والسعودية في المطلع؟.
وكيف يعرف اتفاق المطالع واختلافها؟ هل هو الاشتراك فى جزء من الليل فقط؟ أم شىء آخر زائد عن هذا القدر؟.
ــــــــــــــــــ
السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ يَا أبَا حَفْصٍ.
جَعَلَ اللهُ تَعَالَى رَمَضَانَ عَلَيْكَ شَهْرَ بَرَكَةٍ وَنُورٍ، وَمَسَرَّةٍ وَحُبُورٍ، وَأَجْرٍ وَعِبَادَةٍ،
وَرِضَاً وَزِيَادَةٍ، وَقَسَمُ لَكَ فِيهِ مِنْ خَيْرِ مَا قَسَمَ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ.
السَّعُودِيَّةُ وَمِصْرُ بَلَدَانِ مُخْتَلِفَا الْمَطْلَعِ. وَمَعْنَى اخْتِلافِ الْمَطَالِعِ: أَنْ يَكُونَ طُلُوعُ الْفَجْرِ أَوْ الشَّمْسِ أَوْ الْكَوَاكِبِ، أَوْ غُرُوبُهَا فِي مَوْضِعٍ مُتَقَدِّمَاً عَلَى مِثْلِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ، وَذَلِكَ نَاشِئٌ عَنْ اخْتِلافَيْنِ: أَوَّلُهُمَا خُطُوطُ الْعَرْضِ أَيْ بُعْدُ الْبِلادِ عَنْ خَطِّ الاسْتِوَاءِ، وَالثَّانِي خُطُوطُ الطُّولِ أَيْ بُعْدُهَا عَنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ الْغَرْبِيِّ، فَمَتَى تَسَاوَى طُولُ الْبَلَدَيْنِ لَزِمَ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي أَحَدِهِمَا رُؤْيَتُهُ فِي الآخَرِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ عَرْضُهُمَا، وَمَتَى اخْتَلَفَ طُولُهُمَا امْتَنَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الرُّؤْيَةِ، لاخْتِلافِ مَطْلَعِهِمَا.
¥