هذه مسألة ذكرها الإمام ابن عقيل الظاهري في كتابه (من أحكام الديانة) من صفحة 316 - 330
قال أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري - حفظه الله -:
المسألة الثامنة عشر: العبرة بثبوت رؤية الهلال للصوم والفطر والحج:
هل توجد ليلة آخر الشهر لا يمكن أن يُرى فيها الهلال، ويكون من دواعي رؤية الهلال واهماً أو كاذباً؟
هذا علم لا أفقهه، وقد تحمس له أخي الدكتور أحمد بن عبد العزيز اللهيب، وهو أدرى [به مني].
وإنما هدفي أن يتبصر ذوو العلم المادي الحسي وذوو العلم الشرعي في اجتماع ينتهون فيه إلى قناعة بأن مثل تلك الليلة توجد، أو لا توجد أعني الليلة التي يترأى الناس فيها الهلال، ويقول العلم المادي: لا يمكن أن يُرى الهلال فيها.
فإن اقتنع علماء الشريعة أن نفي رؤية الهلال في تلك الليلة قائم على براهين حسية يقينية أو راجحة، أو بشكل أغلبي: فتراعى تلك البينات في وزن شهادة شهود الرؤية، وذلك أنه لا اجتهاد لنا في تغيير العلامة التي نصبها الشرع، وهي: الرؤية.
ولنا اجتهاد في وزن بينات الرؤية؛ لأن معرفة العدالة، والثقة بعلم الناقل، ومعرفة البينة الحسية: مما فوّضه الشرع إلى عقولنا، ومداركنا.
وحسبي أيضاً أن أنبه إلى أمور يجب أن يراعيها المتنازعون في هذه المسألة حتى لا يأخذ الهوى والعصبية والعناد مأخذهما من أحد منهم؛ لأن الشيطان حريص، وموالجه خفية.
وهذه المسألة لي بها عناية منذ ستة وعشرين عاماً، فخلال عاميْ 1388 - 1389 هـ نشرت لي بحوث بجريدتي (البلاد) و (الندوة) عن مسائل الهلال، ونشرتها عام 1399 هـ، بكتيب بعنوان (مسائل الهلال) صدر عن دار الوطن، وكانت المسألة الثالثة بعنوان: (إنما يعرف الهلال بالرؤية، لا بالحساب والعدد).
وقد قلت في هذه المسألة: ولو أن علم الهيئة يرشدنا إلى أن الشهر يهل هذه الليلة – أخذاً باليد – لم يكن من الجائز أن نعتبر غير الرؤية، أو إكمال العدة، لنص الحديث.
وإذا قضى النص بمراعاة الرؤية، فقد قضى نص آخر (بتعريضه) أن لا يراعى غيرها، وهو قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (إنا أمة أمية، لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا، وهكذا، يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين).
ففي هذا النص التعريض بالحساب أنه لا يلزم الأمة تعلمه لإثبات الأهلة، وفي هذا النص مع نص الرؤية التيسير على الأمة الأمية لتعمل بالرؤية، ولتعلم أن الشهر لا يزيد على ثلاثين، ولا ينقص عن تسع وعشرين.
قال أبو عبد الرحمن: وفرق بين قول: (لا يلزمنا تعلم الحساب) وبين قول: (لا يلزمنا علم الحساب إذا تعلمناه فكان يقيناً حسياً) فالقول الأخير لا أقول به.
قال الحافظ ابن حجر عن هذا الحديث: [فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير، واستمر الحكم في الصوم، ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك، بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلاً، ويوضحه قوله في الحديث الماضي: (فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) ولم يقل فسلوا أهل الحساب].
قال أبو عبد الرحمن: هذا صحيح، فلا نعمل بالحساب من غير رؤية، ولكن لا نعمل برؤية يدفعها الحساب، إذا كان الحساب حسياً يقينياً؛ لأن الرؤية تخطئ، وإنما العصمة للشرع، والشرع إنما يعلق برؤية مسلم، ثبتت عدالته، وأنه غير واهم.
وفي الأيام الأخيرة رأيت مباحث نفيسة للدكتور أحمد بن عبد العزيز اللهيب عن مسألة الحكم برؤية الرائي لإمكانها، وعدم الحكم بها لإحالتها.
ولم أكتف بقراءة ما كتبه، بل استوضحته على رؤوس الملأ مراراً لأعرف مقصده، وفي الوقت نفسه رأيت نصاً للشيخ صالح الفوزان يقول: (فمن جاء بشيء يزعم أنه يعلم به دخول الشهر غير ما بينه الشرع فقد عصى الله ورسوله، كالذي يقول: إنه يجب العمل بالحساب في دخول شهر رمضان).
ورأيت بيد الدكتور اللهيب ورقة يقول إنها من تقرير الشيخ محمد الصالح العثيمين عن الحالة التي لا يقبل فيها شهادة الرائي لكون المشهود عليه غير ممكن، قال: (من زعم أن الشمس يمكن أن تطلع قبل الفجر).
¥