*** ونقل الزرقاني في شرحه على الموطأ عن النووي قوله: (إن عدم البناء على حساب المنجمين لأنه حدس وتخمين، وإنما يعتبر منه ما يعرف به القبلة والوقت) انتهى
أي ان مواقيت الصلاة فقط يعتبر فيها الحساب.
وذكر ابن بطال ما يؤيد ذلك، فقال: (وهذا الحديث – أي: حديث "لا نكتب لا نحسب"- ناسخ لمراعاة النجوم بقوانين التعديل، وإنما المعول على رؤية الأهلة، وإنما لنا أن ننظر في علم الحساب ما يكون عيانًا أو كالعيان، وأما ما غمض حتى لا يدرك إلا بالظنون، وبكشف الهيئات الغائبة عن الأبصار فقد نهينا عنه وعن تكلفه) ا. هـ
... قال المناوي في شرح الجامع الصغير: ("ولا نحسب" بضم السين أي لا نعرف حساب النجوم وتسييرها فالعمل بقول المنجمين ليس من هدينا بل إنما ربطت عبادتنا بأمر واضح وهو رؤية الهلال فإنا نراه مرة لتسع وعشرين وأخرى لثلاثين وفي الإناطة بذلك دفع للحرج عن العرب في معاناة ما لا يعرفه منهم إلا القليل ثم استمر الحكم بعدهم وإن كثر من يعرف ذلك) ا. هـ
... وأما ما ذكره الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله – في رسالته " أوائل الشهور العربية هل يجوز شرعاً إثباتها بالحساب الفلكي"، فالجواب من وجهين:
الأول / أنه مسبوق بالإجماع على عدم الاعتماد في دخول الشهر وخروجه على الحساب الفلكي، وقد حكى الإجماع ابن المنذر وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن رشد وابن عابدين، وغيرهم، وأجمعت على ذلك هيئة كبار العلماء في عصرنا، وسبق نقل قرارها، وأسماء أعضائها.
الثاني / تراجع الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله – عن القول بذلك، واعتذاره بأن ما ذكره في رسالته كان بحثا لا تقريرا؛ قال الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله وأتم شفاءه –: " رأيت لدى الشيخ إسماعيل [بن محمد الأنصاري] خطاباً من الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله تعالى – يعتذر فيه إلى الشيخ إسماعيل، وأنه إنما نشر رسالته لإثارة البحث بين أهل العلم، وإلا فليس له رأي بات في المسألة" [مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثالث لعام 1408هـ (2\ 834)]. والله أعلم.
فصل
اضطراب الْحُسَّاب وتناقضهم في إثبات الشهور القمرية وإمكان رؤية الهلال أو عدم إمكانها
الوجه الثامن عشر: قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية في الرد على الذين يحسبون مسير القمر: (انه ليس لأحد منهم طريقة منضبطة أصلاً، بل أية طريقة سلكوها فإن الخطأ واقع فيها فإن الله سبحانه لم يجعل لمطلع الهلال حساباً مستقيماً، بل لا يمكن أن يكون إلى رؤيته طريق مطرد إلا الرؤية) .. إلى أن قال: (اعلم أن المحققين من أهل الحساب كلهم متفقون على أنه لا يمكن ضبط الرؤية بحساب بحيث يحكم بأنه يرى لا محالة أو لا يرى البتة على وجه مطرد وإنما قد يتفق ذلك أو لا يمكن بعض الأوقات). انتهى، من مجموع الفتاوى 25/ 182 - 183.
وقال أيضاً في صفحة 174 من المجلد المذكور: (إن أرباب الكتاب والحساب لا يقدرون على أن يضبطوا الرؤية بضبط مستمر، وإنما يقربون ذلك فيصيبون تارة ويخطون أخرى). وقال أيضاً في صفحة 208 من المجلد المذكور: (إن طريقة الحساب ليست طريقة مستقيمة ولا معتدلة، بل خطؤها كثير وقد جُرِّب. وهم يختلفون كثيراً هل يرى أم لا يرى، وسبب ذلك أنهم ضبطوا بالحساب ما لا يعلم بالحساب فأخطئوا طريق الصواب، وقد بسطت الكلام على ذلك في غير هذا الموضع وبينت أن ما جاء به الشرع الصحيح هو الذي يوافقه العقل الصريح). انتهى.
التاسع عشر: قال الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله تعالى في رسالته: " قواطع الأدلة في الرد على من عوّل على الحساب في الأهلة " في بيان بعض أخطاء الحساب: (إنكار ما هو ثابت بالتواتر من رؤية الهلال في أول النهار في المشرق ثم رؤيته بعد الغروب في ذلك اليوم من المغرب، وهذا يقع كثيرًا في أيام الصيف الطوال. وقد أخبرنا بعض الثقات برؤيتهم له في أول النهار وبعد الغروب في ذلك اليوم. والأخبار بهذا كثيرة ومستفيضة فلا وجه لإنكارها لأن إنكارها صريح في المكابرة) ا. هـ
العشرون: اختلاف الحساب فيما بينهم اختلافا كثيرا يرفع الثقة بأقوالهم:
قال الدكتور محمد بن صبيان الجهني (قسم الهندسة النووية ـ جامعة الملك عبد العزيز) في بحثه " الحساب الفلكي بين القطعية والاضطراب ":
¥