تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

القران والتمتع الخاص بدون سفرة أخرى. وقد نص على ذلك أحمد وأبو حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم, وهذا هو الإفراد الذي فعله أبو بكر وعمر رضي الله عنهما, وكان عمر يختاره للناس وكذلك علي ..... )). وقد استمر الشنقيطي في نقل كلام ابن تيمية المتقدم, ثم قال في النهاية: ((فترى هذا العلامة المحقق صرح بإن إفراد كل منهما بسفر أفضل من التمتع والقران, وأن الأئمة الأربعة متفقون على ذلك, وأن عمر وعلياً يجريان ذلك عملاً بنص القرآن العظيم)). انتهى كلامه رحمه الله, وأكتفي بهذه النصوص, ففيها ما يحقق المراد, وهناك نصوص أخرى غيرها, وكلما كثرت قراءتي في هذا الموضوع ازداد تعلقي به واشتدت الرغبة عندي في إثارته أملاً في أن يتصدى له المختصون لتجليته وبيانه للناس وتوجيه الفتوى إليه إن حصل الاقتناع به.

واهتمامي به جعلني أتابع أحوال الحجاج من المعارف والأصدقاء وأسأل عن الأنساك التي يختارونها, وقد عجبت حينما ذكر لي أحد الإخوة ممن حجوا مع إحدى الحملات أن عدد حجاج حملتهم يزيد عن الخمسمائة وكلهم متمتعون ماعدا ثلاثة كانوا مفردين, وأن هؤلاء الثلاثة ندموا ندماً شديداً على اختيار الإفراد وترك التمتع, بسبب ما واجهوه من العتاب واللوم والتأنيب من بقية رفاقهم بالحملة؛ لأنهم في رأيهم قد عدلوا عن النسك الفاضل إلى نسك مفضول, بل إنهم واجهوا من البعض اتهاماً قاسياً بالبخل والتهرب من شراء الهدي, وهذه النظرة السائدة عند الغالبية, وهذا الفهم القاصر لأنساك الحج والمفاضلة بينها – على الرغم من وضوح النصوص السابقة وصراحتها- يعطيان القضية مزيداً من الاهتمام ويجعلانها جديرة بإن ينتدب لها المختصون. وقد سألني أحد الإخوة وهو من قضاة المحكمة الكبرى – عندما أثير هذا الموضوع في منزل أحد الأصدقاء- فقال: لا شك في أن ما ذكرته أمر محمود وطيب وهو كون الإفراد يفضل بقية الأنساك في بعض الصور بالإجماع, ولكن ما قولك في الدليل الذي بُني عليه تفضيل التمتع وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ..... ) ثم أمره صلى الله عليه وسلم لأصحابه الذين لم يسوقوا الهدي أن يتحللوا بعمرة ويصيروا متمتعين. فقد تمنّى الرسول صلى الله عليه وسلم التمتع وأمر به أصحابه. فقلت لهذا الأخ الكريم: لقد طرحت هذا السؤال على نفسي منذ مدة, ورأيت أنه يلزمني قبل الإجابة عنه البحثُ في العُمر التي اعتمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن كان قد اعتمر في عامه هذا الذي حج فيه وهو العام التاسع قبل أن يقدم للحج في أي شهر من أشهره فإن دليلنا سيضعف. وبعد البحث تبيّن أنه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في عامه هذا, وإنما اعتمر في ذي القعدة من العام الذي قبله وهو الثامن, وفي ذي القعدة من العام السابع, وفي ذي القعدة من العام السادس, فهي ثلاث عُمر فقط, تضاف إليها عمرته التي قرن بها الحج في العام التاسع وهي حجته الوحيدة المعروفة بحجة الوداع. وقد نص على ذلك العلامة ابن القيّم في كتابه: زاد المعاد 1/ 171 , والشيخ الشنقيطي في أضواء البيان 5/ 659 وغيرهما. وبهذا يتبيّن – استناداً على ما رجحه الإمام ابن تيمية والشيخ الشنقيطي فيما سبق- أن الأفضل في حقه صلى الله عليه وسلم هو التمتع؛ لأنه لم يعتمر في عامه الذي حج فيه. هذا ما ظهر لي والله أعلم بالصواب.

وقد يقول قائل: إن القضية أقل أهمية من هذا الحجم الذي وضعتها فيه!! , فما الفرق بين أن يختار الحجاج الإفراد أو التمتع؟ وأقول: إن هناك فرقاً كبيراً بينهما, وبخاصة في هذه السنوات الأخيرة التي بدا الازدحام فيها شديداً, واشتدت المشقة والنصب على الحجاج من جراء هذا الزحام, وصارت الحكومة تستنفر وتبذل جهوداً مضنية للتيسير على الحجاج وتخفيف معاناتهم, وتبحث جاهدة عن الوسائل والأساليب المعينة على ذلك, ومن أخر ذلك التنظيم الجديد للحجاج السعوديين الذي بدأ منذ سنوات, وصار العلماء يجتهدون في الفتاوى التي تيسر على الحجاج ولا تخل بشيء من أعمال الحج, وقد قرأت لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فتوى قديمة نشرتها جريدة البلاد في عدد يوم الاثنين 5/ 12/1411هـ ينص فيها سماحته على أن التبرع والصدقة بنفقة الحج أفضل من حج التطوع. وقرأت فتوى حديثة مماثلة لفضيلة الشيخ الدكتور صالح الفوزان عضو هيئة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير