تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما أن يحتجّ أحدٌ بطواف النساء حول الكعبة مع الرجال، لتجويز صُوَرٍ من الاختلاط المحرّم، أو لإنكار تحريم الاختلاط جملةً وتفصيلا، دون استحضار تلك النصوص القرآنية والمعاني والاحتياطات النبوية، فهو مخطئ بذلك خطأً جسيمًا. ولا يقع أحدٌ في مثل هذا الخطأ الكبير؛ إلا لجهله الشديد بالنصوص القرآنية، وبتلك السنن النبوية، وبهاتيك الاحتياطاتِ المؤيَّدةِ بوحي الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم. فإن لم يكن الجهل هو سبب ذلك الخطأ، فهو الهوى، الذي غيّبَ عنه تلك الحقائق الكبرى الواضحة، حتى أصبح لا يرى إلا ما يريد أن يرى، وإن كان فيما لا يريد أن يرى: الشمسُ في رابعة النهار!

هل يمكن أن يُلغي طوافُ النساء مع الرجال حول الكعبة تلك الأدلةَ كلها؟! وبأي حقٍّ أقدّمُ هذا الدليلَ الفريد (لو كان دليلا) على تلك الأدلة الكثيرة التي لم أذكر إلا طرفًا يسيرًا منها آنفًا. إذ من أراد الحقَّ: رجّح الأقوى على الأضعف من الأدلة، وقدّم الأكثر على الأقل منها؛ إن أراد الترجيح. أو إن أراد أن يفهم الأدلة التي الأصل فيها عدم التناقض (كأدلة الوحي)، فعليه أن يجمع بين الأدلة بما لا يجعلها متهاترةً متكاذبة. أما أن يأخذ بدليلٍ (يظنه دليلا) ويترك خلف ظهره أدلةً عديدة، ويحتجَّ بما تنقضه الحججُ الكثيرة = فهذا منهج أهل الجهالة (كما سبق)، أو منهج الذين أخبر الله تعالى عنهم، فقال تعالى: "فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ " [آل عمران: 7]، وقال تعالى: "أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" [البقرة:85].

وكيف يتصوّر عاقل أن الوحي الذي شرع تلك الاحتياطات كلها يُغفل موضوع تنظيم الطواف بالصورة التي تصوّرها هو منه؛ لأن ذلك يعني التناقض والخلل، والذي لا تقبل القوانينُ الوضعية البشرية أن يُنسَبَ إليها مثلُه، فضلا عن التشريع الإلهي الكامل، كما سبق.

فلو افترضنا أن طواف النساء مع الرجال لم يرد فيه ما يوضح حقيقته التي لا تتناقض مع بقية الأدلة، كان الواجب علينا أن نفهمه نحن بما لا يُوجب ذلك التناقض.

لكن الواقع أن طواف النساء مع الرجال قد ورد فيه ما يُوضّحُ صورته التي تأتلف مع بقية الأدلة الواردة في الموضوع، فلا تتناقض معه. بل سترى كيف أن طواف النساء مع الرجال بعد بيان صورته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وبأمره صلى الله عليه وسلم سيصبح دليلا على تحريم ما أراد أن يبيحه ذلك الذي احتجّ به لتجويز الاختلاط، وأنه على النقيض مما أراد منه تماما!!

فقد جاء في صحيح الإمام البخاري، في كتاب الحج منه، وفي باب طَوَافِ النِّسَاءِ مع الرِّجَالِ، ما يلي:

"قال ابن جُرَيْجٍ: أخبرني عَطَاءٌ، إِذْ مَنَعَ بن هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مع الرِّجَالِ. قال: كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ، وقد طَافَ نِسَاءُ النبي صلى الله عليه وسلم مع الرِّجَالِ. قلت أَبَعْدَ الْحِجَابِ، أو قَبْلُ؟ قال إِي لَعَمْرِي، لقد أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الْحِجَابِ. قلت: كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ؟ قال: لم يَكُنَّ يُخَالِطْنَ، كانت عَائِشَةُ رضي الله عنها تَطُوفُ حَجْرَةً من الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ. فقالت امْرَأَةٌ انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قالت: عَنْكِ، وَأَبَتْ. وكن يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِاللَّيْلِ، فَيَطُفْنَ مع الرِّجَالِ، وَلَكِنَّهُنَّ كُنَّ إذا دَخَلْنَ الْبَيْتَ قُمْنَ حتى يَدْخُلْنَ، وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ.

ثم أورد أيضًا حديثَ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: شَكَوْتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنِّي أَشْتَكِي. فقال: طُوفِي من وَرَاءِ الناس , وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ. فَطُفْتُ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَئِذٍ يُصَلِّي إلى جَنْبِ الْبَيْتِ وهو يَقْرَأُ وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ".

والحديثان واضحان:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير