تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وجاء عند أحمد في المسند من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود قد صاموا يوم عاشوراء، فقال: «ما هذا من الصوم؟» قالوا: هذا اليوم الذي نجى الله موسى وبني إسرائيل من الغرق، وغرق فيه فرعون، وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي، فصام نوح وموسى شكرا لله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا أحق بموسى، وأحق بصوم هذا اليوم»، فأمر أصحابه بالصوم.

وهذا الحديث لوثبت لدل على معنى أخر لصيامه, وهو أن الله - عز وجل - نجى نوحا - عليه السلام - ومن معه في السفينة، وأن نوحا - عليه السلام - صامه شكرا لله تعالى، ولكن هذا الحديث ضعيف جدا في إسناده أبو جعفر المدائني وعبد الصمد بن حبيب الأزدي وكلاهما سيء الحفظ، وفيه أيضا حبيب بن عبد الله الأزدي مجهول، والقاعدة في الأصول: [أن الحديث الضعيف ليس بحجة في إثبات الأحكام الشرعية]، وبناء على ذلك فلا يؤخذ منه مشروعية قصد هذا المعنى في صيام عاشوراء.

- وقد استشكل بعضهم ثلاثة أمور في حديث ابن عباس-رضي الله تعالى عنهما-السابق:

الأمر الأول: أنه قال في الحديث: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود ... ، فظاهره أنه علم بذلك عقب قدومه مباشرة، والمتقرر أنه قدم صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول.

وأجيب عنه بجوابين:

1 - أن علمه - صلى الله عليه وسلم- بذلك تأخر إلى أن دخلت السنة الثانية.

2 - أن صيامهم كان على حساب الأشهر الشمسية فلا يمتنع أن يقع عاشوراء في ربيع الأول, هكذا قرره ابن القيم في الهدى، قال: وصيام أهل الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس.

ونوقش هذا الجواب: بأنه يلزم عليه أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر المسلمين أن يصوموا عاشوراء بالحساب الشمسي، وأنه في شهر ربيع الأول، والمعروف من حال المسلمين في كل عصر أن صيام عاشوراء في المحرم لا في غيره من الشهور، وأما ما ذكره عن أهل الكتاب ففيه نظر فإن اليهود لا يعتبرون في صومهم إلا الأهلة.

ورد: أن الأصل فيه ذلك فلما أمر النبي صلى الله عليه و سلم بصيام عاشوراء رده إلى حكم شرعه وهو الاعتبار بالأهلة, فأخذ أهل الإسلام على ذلك، وأما القول بأن اليهود يعتبرون في صومهم الأهلة فقط فلعله كان في الأزمنة المتأخرة، وأنه كان فيهم من كان يعتبر الشهور بحساب الشمس لكن لا وجود لهم الآن كما انقرض الذين أخبر الله عنهم أنهم يقولون عزير ابن الله، تعالى الله عن ذلك. [انظر الفتح لابن حجر-رحمه الله-].

الأمر الثاني: أنه قال: فأمر بصومه، وفي هذا رجوع منه صلى الله عليه وسلم إلى اليهود في إثبات شرع.

وأجيب عنه بجوابين:

1 - أنه يحتمل أمور:

- أن الله - عز وجل- أوحى إليه بصدقهم.

- أنه تواتر عنده الخبر بذلك.

- أنه أخبره من أسلم منهم كابن سلام.

والقاعدة في الأصول: [أنه إذا وجد الاحتمال سقط الاستدلال].

2 - أنه ليس في الحديث أنه ابتدأ الأمر بصيامه لخبرهم، بل في حديث عائشة-رضي الله عنها- في الصحيحين التصريح بأنه كان يصومه قبل ذلك، فغاية ما في القصة أنه لم يحدث له بقول اليهود تجديد حكم. [انظر المعلم للمازري].

الأمر الثالث: يفهم منه أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصومه قبل قدومه المدينة، حيث أنه صلى الله عليه وسلم سألهم عن الباعث على صيامه, وهذا معارض لحديث عائشة في الصحيحين أن قريشا كانت تصومه في الجاهلية, وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه.

وأجيب:

- بمنع التعارض، وجه ذلك: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يَصُومُهُ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ، وكانت قريش تصومه، ولعلهم أخذوا هذا من شرع سالف، ولم يكن-صلى الله عليه وسلم-يعلم بأن هذا اليوم هو اليوم الذي نجى الله فيه موسى وقومه، فَلَمَّا هَاجَرَ ورأى أن اليهود تصومه، سألهم عن الباعث لصومه، فعلم أن الله نجى فيه موسى-عليه السلام-فصامه وأمر بصيامه.

- قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله-في الفتح:"وأما صيام قريش لعاشوراء فلعلهم تلقوه من الشرع السالف ولهذا كانوا يعظمونه بكسوة الكعبة فيه وغير ذلك ثم رأيت في المجلس الثالث من مجالس الباغندي الكبير عن عكرمة أنه سئل عن ذلك فقال أذنبت قريش ذنبا في الجاهلية فعظم في صدورهم, فقيل لهم صوموا عاشوراء يكفر ذلك هذا أو معناه ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير