قلت: ولما كان الختان من الفطرة التي خلق الله الناس عليها كما نص الحديث كان هذا دليلا واضحا من الكتاب وبينته السنة على مشروعية الختان واستحبابه سواء للذكر أو للأنثى لما في دخوله في قضية الفطرة والذي يؤيد ذلك أن الله تعالى قال عقب قوله (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) قال (لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) يعني أن هذا الفعل ارتضاه لهم وأن تغيرهم له أصبح تغييرا لخلق الله وإن شئت فقل لدين الله لأن الله تعالى قد نهى أن يغير خلقه سواء بقليل أو كثير ولذلك قال الإمام ابن كثير:
وقوله: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} قال بعضهم: معناه لا تبدلوا خلق الله، فتغيروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها. فيكون خبرا بمعنى الطلب، كقوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97]، وهذا معنى حسن صحيح.
وقال آخرون: هو خبر على بابه، ومعناه: أنه تعالى ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة، لا يولد أحد إلا على ذلك، ولا تفاوت بين الناس في ذلك؛ ولهذا قال ابن عباس، وإبراهيم النَّخَعي، وسعيد بن جُبَيْر، ومجاهد، وعِكْرِمة، وقَتادة، والضحاك، وابن زيد (3) في قوله: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} أي: لدين الله.
وقال البخاري: قوله: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}: لدين الله، خَلْقُ الأولين: [دين الأولين]، (4) والدين والفطرة: الإسلام.
تفسير ابن كثير (6/ 314)
ولذلك أعقب الله تعالى قوله (لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) بقوله تعالى:
" ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ " وهو واضح الدلالة أنه يريد بذلك الفطرة عامة يقول ابن كثير:
وقوله تعالى: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} أي: التمسك بالشريعة (5) والفطرة السليمة هو الدين القويم المستقيم، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} أي: فلهذا لا يعرفه أكثر الناس، فهم عنه ناكبون، كما قال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103]، {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116].
تفسير ابن كثير (6/ 407)
والأمر أوضح من أن يبين لذوي الألباب والله المستعان
ثالثا: دلائل من السنة:
1_عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ (الموطأ حديث 92) وصححه العلامة الألباني
قال صاحب كتاب المنتقي شرح الموطأ:عقب هذا الحديث "
: قَوْلُهُ إِذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ يُرِيدُ خِتَانَ الْفَرْجِ وَخِتَانَ الذَّكَرِ وَلَا يَتَمَاسَّانِ إِلَّا بِالْإِيلَاجِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَرَوَاهُ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ
(المنتقي 1/ 105)
وقال في الموطأ:
- و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ
إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ
والحديث في أقصى درجات الصحة فهو أصح إسناد إلى ابن عمر والله أعلم
قال صاحب المنتقي:
قَوْلُهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ يَدُلُّ عَلَى تَكَرُّرِ هَذَا الْقَوْلِ عَنْهُ وَاعْتِقَادِهِ لَهُ وَأَخْذِهِ بِهِ)
(المنتقي 1/ 109)
قلت:
وفي هذا دلالة على أنه كان يعتاد القول به كما سلفه النبي (صلى الله عليه وسلم) وليس كان يقولها تحرجا منعا من التصريح بلفظ آخر يفيد به فرج المرأة وكأن النبي (صلى الله عليه وسلم) لا يستطيع أن يأتي بكلمة تفيد بهذا القول والذي قال في حق نفسه (أوتيت جوامع الكَلِم)
¥