قال أبو شامة في الباعث على إنكار البدع والحوادث (87): (وأما رفع الناس أيديهم عند الدعاء _ في خطبة الجمعة _ فبدعة قديمة قال أحمد بن حنبل حدثنا شريح بن النعمان حدثنا بقية عن أبي بكر بن عبد الله حبيب بن عبيد الرحبي عن غضيف بن الحارث التمالي قال بعث إلي عبد الملك بن مروان فقال: يا أبا اسماء إنا قد جمعنا الناس على أمرين.
قال فقلت ما هما؟؟.
قال: رفع الأيدي على المنابر والقصص بعد الصبح والعصر ... .
قال السيوطي في الأمر بالاتباع (بدع الخطب: (ورفع اليدين عند الدعاء فبدعة قديمة).
قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار: (الحديثان المذكوران يدلان على كراهة رفع الأيدي على المنبر حال الدعاء وأنه بدعة).
فإن قيل لم بوب الإمام الإمام البخاري بابين متصلين متتابعين فقال: (باب رفع اليدين في الخطبة) و (باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة).
قلت: إن التبويب لم يكن من أجل بيان رفع اليدين في مطلق الدعاء في الخطبة بل هي مقيدة بما ذكره من الحديث تحت الباب كما سبق البيان ولهذا قال ابن حجر في الفتح (2/ 413) (أورد فيه طرفا من حديث أنس في قصة الاستسقاء وقد ساقه المصنف بتمامه في علامات النبوة من هذا الوجه وهو مطابق للترجمة).
وهذا يدل على أن الرفع استثناء ولسبب مخصوص.
كما ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه على المنبر في خطبة الجمعة في الاستسقاء مع أنه يخطب في الناس كل جمعة، وهو مما يتوفر في مثله داعي النقل.
الثاني: لقد نص الحافظ ابن حجر في الفتح على أن من المراد في تتابع التبويب بيان المعنى الزائد في صفة الرفع في الاستسقاء فقال في الفتح: (2/ 413): (قوله: (فمد يديه ودعا) في الحديث الذي بعده (فرفع يديه) كلفظ الترجمة.
وكأنه أراد أن يبين أن المراد بالرفع هنا المد لا كالرفع الذي في الصلاة.
وسيأتي في كتاب الدعوات صفة رفع اليدين في الدعاء فإن في رفعهما في دعاء الاستسقاء صفة زائدة على رفعهما في غيره، وعلى ذلك يحمل حديث أنس: (لم يكن يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء) وأنه أراد الصفة الخاصة بالاستسقاء ويأتي شيء من ذلك في الاستسقاء أيضا إن شاء الله تعالى).
روى مسلم في صحيحه بالإسناد إلى عمارة بن رؤيبة قال: رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه فقال قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يزيد على أن يقول بيده هكذا، وأشار بإصبعه المسبحة.
في هذا الحديث بيان عدم مشروعية الرفع في حال الخطبة بدون سبب مشروع كما في حديث الاستقاء
قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم (6/ 162) (هذا فيه أن السنة أن لا يرفع اليد في الخطبة وهو قول مالك وأصحابنا وغيرهم.
وحكى القاضي عن بعض السلف وبعض المالكية إباحته لأن النبي صلى الله عليه و سلم رفع يديه في خطبة الجمعة حين استسقى.
وأجاب الأولون بأن هذا الرفع كان لعارض).
وقد قال العيني معنى كلام الإمام النووي المتقدم فقال في شرح سنن أبي داود (4/ 445): (وفيه من السنة أن لا ترفع اليد في الخطبة، وهو قول مالك والشافعي، وغيرهما، وحكي عن بعض المالكية وبعض السلف إباحته؛ لأن النبي- عليه السلام- رفع يديه في خطبة الجمعة حين استسقى، وأجاب الأولون بأن هذا الرفع كان لعارض).
يريد أن رفع اليدين في مطلق الدعاء جائز وأن الخطيب إذا أراد الدعاء في غير الاستسقاء لا يرفع إلا أصبعه ويدل على هذا قوله (وأجاب الأولون بأن هذا الرفع كان لعارض).
وقد استشكل بعض الناس كلام الحافظ ابن حجر لما قال في الفتح (11/ 142)
(وأما ما أخرجه مسلم من حديث عمارة بن رؤيبة براء وموحدة مصغر أنه رأى بشر بن مروان يرفع يديه فأنكر ذلك وقال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وما يزيد على هذا يشير بالسبابة، فقد حكى الطبري عن بعض السلف أنه أخذ بظاهره وقال: السنة أن الداعي يشير بأصبع واحدة ورده بأنه إنما ورد في الخطيب حال الخطبة وهو ظاهر في سياق الحديث فلا معنى للتمسك به في منع رفع اليدين في الدعاء مع ثبوت الأخبار بمشروعيتها).
¥