[قاعدة: درء المفاسد أولى من جلب المصالح]
ـ[إبراهيم العثمان]ــــــــ[05 - 06 - 10, 08:27 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها الأخوة:
أتناول في هذه الموضوع بالحديث عن قاعدة شرعية مهمة نحتاجها كثيراً في هذا الزمن. إلا أنه ومع أهميتها، وعلو كعبها نرى من يُسيء استخدامها، فلا يستعملها في المحل الصحيح.
تلكم القاعدة هي قاعدة " درء المفاسد أولى من جلب المصالح "
والكلام عليها سيكون في المسائل الآتية:-
المسألة الأولى: المعنى الإفرادي للقاعدة:
(درء): المراد به الدفع.
(المفاسد): جمع مفسدة، والمفسدة تُطلق ويراد بها الضرر، وتُطلق ويراد بها الشر، وتُطلق ويراد بها السيئة، وتُطلق ويراد بها السبب المؤدي إلى المفسدة.
(أولى): أي: أرجح وأحق بالتقديم.
(المصالح): جمع مصلحة، والمصلحة تُطلق ويراد بها المنفعة، وتُطلق ويراد بها الحسنة، وتُطلق ويراد بها السبب المؤدي إلى المصلحة.
المسألة الثانية: المعنى الإجمالي للقاعدة:
أنه إذا اجتمع في أمر من الأمور مصلحة ومفسدة، وكانت المفسدة غالبة، فإنه يجب تقديم الأمر الذي به تُدفع المفسدة، واجتناب الأمر الذي به تحصيل المصلحة.
المسألة الثالثة: الأدلة على القاعدة:
نذكر منها دليلان:
1 - قوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما} [سورة البقرة: 219]
وجه الدلالة من الآية:
أن الله تعالى بيّن في الآية أن في الخمر، والميسر إثماً كبيراً، وهذه مفسدة غالبة، وفيها منافع للناس، وهذه مصلحة. ولايمكن تحصيل هذه المنافع إلا بالوقوع في المفاسد، فلأجل ذلك حرّمهما الله تعالى.
2 - ماورد عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (إياكم والجلوس في الطرقات). فقالوا: ما لنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: (فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها). قالوا: وما حق الطريق؟ قال: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر).أخرجه البخاري في صحيحه (2333)،ومسلم في صحيحه (2121).
وجه الدلالة من الحديث:
أن النبي صلى لله عليه وسلم نهى عن الجلوس في الطرقات لمافي ذلك من النظر الحرام، والغيبة وغيرهما وهذه مفاسد، مع حصول بعض المنافع المعلومة، إلا أن المفسدة أغلب، فكان درء المفاسد مُقدماً على جلب المصالح.
المسألة الرابعة: شروط إعمال القاعدة:
حتى تُطبق هذه القاعدة وتعمل بالشكل الصحيح لابد من توفر شرطين:
الشرط الأول: عدم إمكان تحصيل المصلحة إلا بالوقوع في المفسدة.
وعليه فلو أمكن تحصيل المصلحة دون الوقوع في المفسدة، فإنه لا يقال بتحقق إعمال القاعدة.
وبعبارة أخرى: لو أمكن تحصيل المصلحة دون الوقوع في المفسدة، فإنه لايصح لنا إطلاق القاعدة في هذه المسألة التي على هذا النحو.
الشرط الثاني: أن تغلب المفسدة على المصلحة.
وعليه فلو غلبت المصلحة على المفسدة أو تساوتا في نظر المجتهد فإنه لايتحقق إعمال القاعدة.
إذاً حتى تُطبق هذه القاعدة على الشكل الصحيح، فلا بد أن تغلب المفسدة على المصلحة، وألاّ يمكن تحصيل المصلحة إلا بالوقوع في المفسدة.
ففي أي مسألة تحقق من توفر هذين الشرطين، فإذا توفرا فيها فيصح لك إطلاق هذه القاعدة على تلك المسألة، وبالله التوفيق.
المسألة الخامسة: الفروع المبنية على هذه القاعدة: ونذكر فرعان اثنان:
1 - أن في تخليل الشعر للمحرم في وضوئه وغسله مصلحة، إلا أن فيه مفسدة، وهو مظنة لتساقط الشعر، والأخذ من الشعر من محظورات الإحرام.
والمفسدة هنا غالبة على المصلحة، ولايمكن تحصيل المنفعة إلا بالوقوع في المفسدة.
فنقول إن تخليل الشعر غير مشروع؛ لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح.
2 - استخدام الجوال في الطائرة للإتصال به فيه مصلحة للشخص، إلا أن فيه مفسدة وهوتأثيره بالسلب على أجهزة الطائرة.
والمفسدة هنا غالبة على المصلحة، ولا يمكن إدراك المنفعة إلا بالوقوع في المفسدة.
فنقول إن استخدام الجوال للإتصال به في الطائرة غير جائز؛ لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح.
ولابأس بذكر بعض الفروع ليتم التدارس فيها.
المسألة السادسة: الصور التي خرجت بمراعاة شروط القاعدة:
الصورة الأولى: غلبة المصالح على المفاسد.
فإذا تحقق غلبة المصالح على المفاسد، فإنه يجب تحصيل المصالح، ولاعبرة بالمفاسد.
والدليل على ذلك:
1 - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعمل خالد بن الوليد – رضي الله عنه- على الحرب، منذ أسلم مع أنه – رضي الله – كان يفعل أحياناً ماينكره عليه كما فعل يوم بني جُذيمة.
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب مصلحة تولية خالد – رضي الله عنه – على مفسدة مايقع فيه من تجاوزات.
2 - أن النبي صلى الله علبه وسلم رمى أهل الطائف بالمنجنيق.
وجه الدلالة:
أن الرمي بالمنجنيق فيه مفسدة قتل النساء والأطفال ممن لا يُقصدون بالقتال، وفيه مصلحة قتال الكفار، ورد كيدهم، وهذه المصلحة أعظم، فلذلك غلبت على المفسدة.
الصورة الثانية: تساوي المصالح والمفاسد.
وهذه الصورة محل خلاف بين أهل العلم في وجودها.
والذي يظهر- والله أعلم- أن اختلافهم في وجود هذه الصورة أوعدم وجودها هو اختلاف لفظي، فإن التساوي بين المصالح والمفاسد موجود من حيث نظر المجتهد والقاصر عن إدراك أيٍّ من الأمرين غالب.
أما من حيث النظر إلى الواقع فلا يمكن تساوي المصالح والمفاسد، لكن قصر نظر المجتهد في التغليب بينهما كما بينّا.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المرجع: الممتع في القواعد الفقهية ص 253 - 266
¥