وعن أبي المنهال قال: سألت زيد بن أرقم والبراء بن عازب عن الصرف فجعل كل منهما إلى الآخر ويقول إنه خير مني وأعلم.
ورى الترمذي عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منهم رجل يسأل –بضم الياء- عن شئ إلا ود أن أخاه كفاه , ولا يحدث حديثا إلا يود أن أخاه كفاه.
أما التابعون الذين جمعوا ما عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم , فلهم عجائب من الأقوال والأفعال تدل على حذرهم من الفتيا , ومن ذلك: ما رواه ابن عبد البر بسنده عن شيخ من أهل المدينة قال: كنت أرى الرجل في ذلك الزمان وإنه ليدخل المسجد يسأل عن الشئ فيدفعه الناس من مجلس إلى مجلس حتى يدفع إلى مجلس سعيد بن المسيب , كراهية الفتيا , وكانوا يدعون سعيد بن المسيب: الجريء.
وعن عطاء بن السائب قال: ادركت اقوام يسأل احدهم عن الشي فيتكلم وهو يرعد.
وعن الشعبي والحسن وابي حصين قالوا: ان احدكم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر.
هذه الروح التي تعامل بها الصحابة وتابعوهم ومن تبعهم مع الفتيا هي التي كونت نفسية الأمة الواثقة بمصادر دينها , وهي التي أدت إلى حفظ النص الشرعي من الضياع وغلو الغالين وعبث العابثين.
وهي روح أنشأها الشعور بأن الفتيا ليست رأيا مجردا , بل هي عبادة محضة لله عز وجل متعد أثرها إلى خلقه , ومن شيم العابد أن لا يؤدي العبادة إلا بعد أن يستكمل أسبابها وشرائطها.
أقدم هذا الكلام بين يدي واقع مؤلم أصبحنا نرى فيه من ليس بذاك ولم يسأله أحد ومن كفاه الله مؤنة الإفتاء بغيره يعمد إلى القضية المشكلة فينصب نفسه للقول فيها أمام وسائل الإعلام بترجيح المذهب الضعيف , أو المخالف لما عليه كبار أهل العلم قاطعا به مناهضا به أهل الشأن بل والمجتمع بأسره , مناديا على نفسه بأن هذا ما أدين الله به.
ولو أنه دان الله حقا لسكت عما لا يعنيه عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن علي ابن أبي طالب: (من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه)
د. محمد بن إبراهيم السعيدي