تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الخامسة: - قوله تعالى: "لعلكم تتقون" "لعل" ترج في حقهم، كما تقدم. و"تتقون" قيل: معناه هنا تضعفون، فإنه كلما قل الأكل ضعفت الشهوة، وكلما ضعفت الشهوة قلت المعاصي وهذا وجه مجازي حسن. وقيل: لتتقوا المعاصي. وقيل: هو على العموم، لأن الصيام كما قال عليه السلام: (الصيام جنة ووجاء) وسبب تقوى، لأنه يميت الشهوات.

السادسة: - قوله تعالى: "أياما معدودات" "أياما" مفعول ثان "بكتب"، قاله الفراء. وقيل: نصب على الظرف "لكتب"، أي كتب عليكم الصيام في أيام. والأيام المعدودات: شهر رمضان، وهذا يدل على خلاف ما روي عن معاذ، واللّه أعلم.

ـ[أبو عبد الله ابن لهاوة]ــــــــ[28 - 06 - 10, 07:36 م]ـ

التلخيص الثاني مع المدارسة.

بسم الله الرحمن الرحيم.

مناسبة الموضوع:

ينبغي أن يعلم أن الكلام في المناسبات ظني واستنباط محض.

وقبل الخوض فيه لا بد أن تهدم قاعدة وتشيد قاعدة.

فقد ذكر الزمخشري وغيره أنه لا يجوز الاعتراض بأكثر من سبع جمل في الكلام وأن هذا ليس من عادة العرب.

فيقال: إن هذا في الكلام خارج الكتاب، فإما في الكتاب فإنه جائز أن يعترض الكاتب بفصل أو فصلين أو أكثر في كلامه وله أن يرتب كلامه على ما يراه مناسباً عنده.

عند ذلك نقول: مناسبة الموضوع -موضوع الصيام- أن الله تعالى ذكر إباحة الأكل العامة لجميع الناس ثم عطف بذكر الإباحة العامة للمؤمنين وذكر أنه إنما حرم عليهم الميتة والدم ولحم الخنزير ثم دخل في مواضيع أخرى لمناسباتها الخاصة بها ثم بعد ذلك رجع ليذكر حظر الأكل والشرب من الطيبات فذكر أنه إنما هو أيام معدودات ثم آنسنا بأنه فرض هذا الحظر على جميع المؤمنين أو على أهل الكتاب من قبلنا ثم بين سبب ذلك الحظر وأنه رجاء التقوى والإعانة عليها بهذا الحظر وبين كذلك في آيات الصيام أنه مع هذا الحظر إلا أن الله يريد بنا اليسر لا العسر وأن في هذا الحظر أيضاً الإعانة على الشكر.

وكلام القرطبي أن المناسبة هي في الفرض وأن القصاص والوصية والصيام وأيضاً القتال والحج أنها كلها فُرِضت على أهل الكتاب= وجيه وسديد وما قبله أيضاً ممكن خاصة وأن من قواعد التفسير الاستدلال بالمقابِل.

وهذا -والعلم عند الله- أقرب من كلام البقاعي.

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. أياماً معدودات}

قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام"

لما ذكر ما كتب على المكلفين من القصاص والوصية ذكر أيضا أنه كتب عليهم الصيام وألزمهم إياه وأوجبه عليهم.

ولا خلاف فيه، قال صلى اللّه عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج) رواه ابن عمر.

ومعناه في اللغة: الإمساك، وترك التنقل من حال إلى حال.

والصوم في الشرع: الإمساك عن المفطرات مع اقتران النية به من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وتمامه وكماله باجتناب المحظورات وعدم الوقوع في المحرمات، لقوله عليه السلام: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).

وفضل الصوم عظيم، وثوابه جسيم، جاءت بذلك أخبار كثيرة صحاح وحسان ذكرها الأئمة في مسانيدهم، وسيأتي بعضها، ويكفيك الآن منها في فضل الصوم أن خصه اللّه بالإضافة إليه، كما ثبت في الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال مخبرا عن ربه: (يقول اللّه تبارك وتعالى كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) الحديث. وإنما خص الصوم بأنه له وإن كانت العبادات كلها له لأمرين باين الصوم بهما سائر العبادات.

أحدهما: أن الصوم يمنع من ملاذ النفس وشهواتها ما لا يمنع منه سائر العبادات. الثاني: أن الصوم سر بين العبد وبين ربه لا يظهر إلا له، فلذلك صار مختصا به. وما سواه من العبادات ظاهر، ربما فعله تصنعا ورياء، فلهذا صار أخص بالصوم من غيره.

وقوله تعالى: "كما كتب" الكاف في موضع نصب على النعت، التقدير كتابا كما، أو صوما كما. أو على الحال من الصيام أي كتب عليكم الصيام مشبها كما كتب على الذين من قبلكم.

و"ما" في موضع خفض، وصلتها: "كتب على الذين من قبلكم". والضمير في "كتب" يعود على "ما".

والمعنى الظاهر: فُرِض عليكم الصيام مثل ما فرض على أهل الكتاب. هذا هو الراجح وهو تخصيص بالنقل كما ذكر الطبري.

والتشبيه يرجع إلى وقت الصوم وقدر الصوم، فإن اللّه تعالى كتب على قوم موسى وعيسى صوم رمضان فغيروا، وزاد أحبارهم عليهم عشرة أيام ثم مرض بعض أحبارهم فنذر إن شفاه اللّه أن يزيد في صومهم عشرة أيام ففعل، فصار صوم النصارى خمسين يوما، فصعب عليهم في الحر فنقلوه إلى الربيع.

أو على صفة الصوم الذي كان عليهم من منعهم من الأكل والشرب والنكاح، فإذا حان الإفطار فلا يفعل هذه الأشياء من نام. وكذلك كان في النصارى أولا وكان في أول الإسلام، ثم نسخه اللّه تعالى بقوله: "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم" [البقرة: 187].

وقوله تعالى: "لعلكم تتقون" "لعل" ترج في حقهم، كما تقدم. و"تتقون" هو كما قيل على العموم، لأن الصيام كما قال عليه السلام: (الصيام جنة ووجاء) وسبب تقوى، لأنه يميت الشهوات.

وقوله تعالى: "أياما معدودات" "أياما" مفعول ثان "بكتب". والأيام المعدودات: شهر رمضان.


إلى هنا انتهى الدرس الأول ونأمل منكم المشاركة.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير