تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإنما الذي ينبغي أن يثار كيف نخدم المذهب المالكي واعادة ترميمه من الداخل حتى نعيده إلى الريادة والمكانة التي يستحقها باعتباره مذهبا من المذاهب السنية المعتمدة في العالم الإسلامي من لدن صاحبه إلى يومنا هذا دون فصل الأصول عن الفروع كما هو حاصل كثير من البلاد الإسلامية، فصار المذهب المالكي رمزا على الفروع الفقهية بمختلف أشكالها فحسب دون العقائد. فهذا هو الهدف الأساسي والأسمى للقضية، لا أن نشن حربا ضروسا على أسلافنا الذين كان لهم الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في بقاء هذا المذهب والحفاظ على خصوصياته المذهبية، علما أنه قد مر بمراحل تاريخية مريرة كادت أن تجعله قيد النسيان، فكشفت هذه المحنة الحجاب عن أصالة المذهب المالكي وقوته، وتجذره في قلوب إتباعه، إذ سرعان ما أشرقت شمسه من جديد لتبعث في الأمة أنفاس متجددة تدريسا وتأليفا وتنظيرا قديما وحديثا.

وفي زمننا تأججت يقظة علمية مشرقا ومغربا، فصار لدى الناس نزوع جديد إلى الدليل، خاصة وأن القضايا المستجدة والنوازل المعاصرة تنوعت وتشعبت، وجاءت بأشكال نادرة ربما لا تجد لها سلفا أو نظيرا في دواوين الفقه الأصيلة.

ومن هنا فزع كل ذي مذهب إلى أصوله، بحثا عن مناهج الأسلاف في التفريع وبناء الفروع على الأصول من خلال آليات الاستنباط وقواعد الاجتهاد.

مما نسف هذه الفرية برمتها والتي لم تطل الفقه المالكي لوحده وإنما كان لها الحظ الأوفر على مستوى كل المذاهب الإسلامية السنية المعروفة.

فنحن لا ننكر البتة أن الفقه المالكي على غرار المذاهب الأخرى قد مر بأطوار زمنية مخجلة جعلت منه فقها مجردا من روحه وذلك بفصل المسائل الفقهية عن أدلتها، حتى إنك تنظر في أمهات الكتب المعتمدة تمر عليك عشرات المسائل الفقهية محشوة بأقوال الرجال وتوجهاتهم دون أن تجد لها ذكر دليل واحد من الأدلة المعتبرة خاصة الدواوين التي عنت بجانب الشروح، حيث انصبت جهود الشراح على حل ألفاظ المصنفات، وتحرير المسائل على المعتمد من أقوال في المذهب، وبيان الراجح من المرجوح، والمشهور من الشاذ.

وهذا المنهج هو الذي عابه الإمام ابن عبد البر رحمه الله على أهل زمانه عندما حادوا عن طريق السلف في طلب العلم، وسلكوا في طلبه ما لم يعرفه الأئمة القدامى.

مما ترتب عنه انحرافات في المنهج والمنهجية، ابتداء بإهمال أصل العلوم كتاب الله تعالى، فلم يعتنوا بضبطه، ولا بفهم معانيه، ولا وقفوا على أحكامه، ولا تفقهوا في حلاله وحرامه، كما تركوا أيضا السنن والآثار، وزهدوا فيها، وأضربوا عنها، فلم يعرفوا الإجماع من الاختلاف، ولا فرقوا بين التنازع والائتلاف، بل عوّلوا على حفظ ما دوّن لهم من الرأي والاستحسان الذي كان عند أئمتهم.

فكانت النتيجة الإفراط في حفظ المولّدات والفروع من غير اهتمام بضبط أصولها.

قال رحمه الله: (واعلم يا أخي أن الفروع لا حد لها تنتهي إليه أبدا، ولذلك تشعبت، فمن رام أن يحيط بآراء الرجال فقد رام ما لا سبيل له ولا لغيره إليه؛ لأنه لا يزال يرد عليه ما لا يسمع، ولعله أن ينسى أول ذلك بآخره لكثرته، فيحتاج أن يرجع إلى الاستنباط الذي كان يفزغ منه ويجبن عنه تورعا بزعمه أن غيره كان أدري بطريق الاستنباط منه، فلذلك عول على حفظ قوله.

ثم إن الأيام تضطره إلى الاستنباط مع جهله بالأصول فجعل الرأي أصلا واستنبط عليه) " جامع بيان العلم وفضله ".

فكان بعضهم يستعظم أن يذهب للبحث عن دليل هذه الأقوال ثقة منهم بأسلافهم، وظنا منهم أنهم أعلم الناس بالدليل، فكان تفريطا مما ترتب عنه آفتين عظيمتين:

- الأولى: فصل المذهب عن أدلته والإعراض عنها تأليفا وتدريسا، فانفصل الفقه عن قلبه النابض، وهو فقه الكتاب والسنة.

الثانية: عزوف الدارسين عن هذه المصنفات ظنا منهم أنها غير صالحة لتحقيق المقصود، مما فوت عليهم العلم الغزير، وهذا هو لب قضيتنا التي نحن بصدد تأصيلها، والتي هي من جملة الخدمة المطلوبة للنهوض بالمذهب المالكي من خلال عرض أقوال أئمة المذهب وحفاظه على ميزان النصوص وردها إلى أصلها الأول دون تكلف.

فكم من كتاب ناقش المسائل الفقهية وتحريرات الفقهاء المجردة عن الدليل فكان فريدا في بابه من جهة الترتيب والتبويب والإيرادات والترجيحات، وهذا طبعا يفعل الجانب العلمي والمنهجي من عدة وجوه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير