بعض العلماء جنح إلي أن الدليل هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) والآداب والفضائل تندرج تحت باب مكارم الأخلاق.
ما شاء الله بارك الله فيك
ـ[بن محمد الحنبلي المصري]ــــــــ[04 - 02 - 10, 05:36 م]ـ
على أي حال، فالنبي كثيرا ما كان يأمر أو ينهى عن شيء في باب الأدب، ثم يخالفه، كعدم الأكل والشرب واقفا مثلا، ولكن ليس كل الآداب مستحبة دون الوجوب، فالأكل باليمين على القول الراجح واجب.
وقال البعض: بل الأصل في الأمر الاستحباب، واستدلوا بأن الأصل براءة الذمة.
ـ[أبو المقداد]ــــــــ[04 - 02 - 10, 10:43 م]ـ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.
إجابة عن سؤال أخي أبي عائشة وفقه الله تعالى أقول:
من يقول: الأمر للوجوب، فلا يجوز له أن يصرفه إلى غيره من الندب أو الإباحة أو غيرهما من معاني الأمر إلا بقرينة، لأن القواعد الأصولية من شأنها الاطراد.
والأدلة الدالة على هذه القاعدة لم تفرق بين كون الأمر في باب دون باب، سواء النقلية أو العقلية، فمثلا قوله تعالى: ((فليحذر الذين يخالفون عن أمره)) ((أمره)) مفرد مضاف يفيد العموم. وقوله صلى الله عليه وسلم: (ومالي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا يتبع) و (أل) في قوله صلى الله عليه وسلم (الأمر) للعهد، فلا تفيد العموم، لكن العموم هنا مستفاد من جهة أخرى وهي تعليله ذلك بأنه أمر، فخصوص هذا الأمر غير مقصود، وكل ما تحقق فيه وصف الأمر فهو مثله في الحكم، ولك أن تقرر ذلك بالإلحاق بنفي الفارق.
إذا تقرر هذا، فكون هذا الأمر في باب الآداب لا يصلح صارفا للأمر عما وضع له، إلا إذا قام دليل خاص يشهد بكونه صارفا.
فأما قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم .. ) فما المانع من أن يكون تتميه بالأمر بها أمرا يقتضي الوجوب؟.
وقرر بعضهم أن معرفة علة الأمر والنهي توجب نفي جانب التعبد فيه أو تخفيفه على الأقل، والآداب علتها معروفة، وهي مصلحة المكلف، فتحمل الأوامر فيها على الندب، فهاتان مقدمتان ونتيجة.
ويجاب عنه من جهتين:
الأولى: منع المقدمة الأولى، وإن سُلم هذا في العلل المنصوصة فلا يسلم في المستنبطة، لأنه من المتقرر أنه لا يجوز استنباط معنى من النص يعود على مقتضاه بالإبطال.
الثانية: منع المقدمة الثانية، فلا يسلم أن الآداب كلها معقولة المعنى، ثم ما المانع أن يعرفنا الشارع ببعض عللها ترغيبا لنا في فعلها ويخفي عنا عللا أخرى؟ بل لو عرَّفنا عللها كلها .. فما المانع من أن يكون ذلك للوجوب؟ أليس ذلك أدعى إلى تحقيق الامتثال؟
إذا تقرر هذا فالذي يظهر والعلم عند الله أنه لا فرق بين الأوامر في باب دون باب.
فما هو الجواب إذن عن تعامل الأئمة رحمهم الله تعالى مع النصوص؟
يفهم من كلام بعض الأئمة التفريق، كالشافعي وابن عبد البر، وعليه فهم مطردون ولا تناقض عندهم.
لكن الإشكال عند من يقرر أنها للوجوب مطلقا ثم يصرفها ولا نعلم صارفا .. فلابد أن يعلم هنا أن الأئمة غير معصومين .. هذا أولا. ثانيا: أن كثيرا من المصطلحات كالوجوب والاستحباب لم تكن قد تقررت عند القدماء كما هو الحال عليه الآن، فقد يقول الإمام مثلا: أحب كذا، أو: أكره كذا، وهو يريد الوجوب في الأولى والتحريم في الثانية، وهذا مشهور جدا عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى، فيأتي المتأخر ويقرر أن ذلك للندب والكراهة، فإذا أعياهم الصارف ادعوا الإجماع على ذلك، ولم يعتدوا بخلاف الظاهرية! وهذا المسلك - وإن قصد أصحابه الاعتذار عن الأئمة ودفع التناقض عن أقوالهم - غير جيد.
ثالثا: أن الإمام قد يكون له في الأصل قولان، فهو مثلا كان يرى الأمر للندب ثم اختار القول بالوجوب، وقد بنى كثيرا من فقهه على الأول ثم بنى كثيرا منه على الثاني، ومن ينظر في أقوال الإمام لا يستطيع التفريق بين ما بناه على الأول وما بناه على الثاني. وكثير من المتأخرين لا يهتم بتخريج الفروع على أصول الإمام، بل لهم في تحرير المذهب مسالك أخرى غير مرضية.
على كل حال .. الكلام في هذه المسألة يطول.
على أي حال، فالنبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما كان يأمر أو ينهى عن شيء في باب الأدب، ثم يخالفه، كعدم الأكل والشرب واقفا مثلا، ولكن ليس كل الآداب مستحبة دون الوجوب، فالأكل باليمين على القول الراجح واجب.
هذا الكلام يحتاج إلى شيء من الترتيب. ولم يتبين لي ما الذي يقصده الأخ تحديدا.
إن كان يريد الاستدلال على أن الأوامر في الآداب للندب بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بها ثم يخالف ذلك. فهذا لا يصح، لأن المخالفة قرينة صارفة، والكلام هنا عن كون الأمر في باب الآداب هل يصلح قرينة أو لا؟ أما عند وجود قرينة أخرى فلا إشكال.
وإن كان يريد معنى آخر فليبينه جزاه الله خيرا.
أما قولك بارك الله فيك:
وقال البعض: بل الأصل في الأمر الاستحباب، واستدلوا بأن الأصل براءة الذمة.
هذا كلام صحيح، لكن حتى يكون الكلام دقيقا فلا بد أن تبين أنهم قالوا: الأمر يقتضي مطلق الطلب، وهذا متردد بين الندب والوجوب والأصل عدم الثاني فيتعين الأول.
¥